Nothing Special   »   [go: up one dir, main page]

Academia.eduAcademia.edu

حجة الوادع- يوم فقدت الأشياء أسماءها

كانت خطبة حجة الوداع حدثا تأسيسا في الإسلام. صحيح أن ذكراها ترسخت كخطبة وداعية، لكن الوداع لم يكن جوهر هذه الخطبة، بل البدء والتأسيس. أو قل إنها كانت موعدا للإلغاء والنسخ، وموعدا للإقرار والتثبيت. ويومها كان هو اليوم الذي فقدت فيه الأشياء أسماءها. فكل شيء كان نظريا بلا اسم في ذلك اليوم. وكان الناس حين وقفوا بين يدي الرسول في تلك الخطبة يعرفون هذا. بل كانوا يعرفونه إلى حد مربك. لذا لم يكونوا واثقين بأي شيء عرفوه من قبل. كانوا غير متأكدين حتى من اسم المدينة التي يحجون إليها: مكة ذاتها. فمن يضمن لهم أن اسمها لم يتغير، أو أنه تغير فعلا؟

‫حجة الوداع‪ :‬يوم فقدت األشياء أسماءها‬ ‫كانت خطبة حجة الوداع حدثا تأسيسا في اإلسالم‪ .‬صحيح أن ذكراها ترسخت كخطبة وداعية‬ ‫للرسول الذي تنبأ فيها برحيله القريب إلى ربه‪" :‬لعلي ال أراكم بعد عامي هذا"‪ ،‬لكن الوداع لم‬ ‫يكن جوهر هذه الخطبة‪ ،‬بل البدء والتأسيس‪ .‬أو قل إنها كانت موعدا لإللغاء والنسخ‪ ،‬وموعدا‬ ‫لإلقرار والتثبيت‪ .‬ويومها كان هو اليوم الذي فقدت فيه األشياء أسماءها‪ .‬فكل شيء كان نظريا‬ ‫بال اسم في ذلك اليوم‪ .‬وكان الناس حين وقفوا بين يدي الرسول في تلك الخطبة يعرفون هذا‪ .‬بل‬ ‫كانوا يعرفونه إلى حد مربك‪ .‬لذا لم يكونوا واثقين بأي شيء عرفوه من قبل‪ .‬كانوا غير متأكدين‬ ‫حتى من اسم المدينة التي يحجون إليها‪ :‬مكة ذاتها‪ .‬فمن يضمن لهم أن اسمها لم يتغير‪ ،‬أو أنه‬ ‫تغير فعال؟ وخذ هذه المقتبسات التي تؤكد ذلك‪:‬‬ ‫"ثم قال [الرسول]‪ :‬أي يوم هذا؟ قلنا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير‬ ‫اسمه‪ .‬فقال‪ :‬أليس اليوم يوم النحر؟ قلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬أي شهر هذا؟ قلنا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‪ :‬أليس ذا الحجة؟ قلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬أي بلد هذا؟ قلنا‪:‬‬ ‫هللا ورسوله أعلم‪ ،‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‪ :‬أليست البلدة الحرام؟ قلنا‪ :‬بلى"‬ ‫(ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى)‪.‬‬ ‫أما في رواية ابن هشام فقد جاء‪:‬‬ ‫"ثم قال‪ :‬أي شهر هذا؟ قلنا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‪ .‬قال‪:‬‬ ‫أليس ذا الحجة؟ قلنا‪ :‬بلى‪ .‬ثم قال‪ :‬أي بلد هذا؟ قلنا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه‬ ‫سيسميه بغير اسمه" (سيرة ابن هشام)‪.‬‬ ‫وكما نرى فقد سكت الناس حين سئلوا عن اليوم الذي هم فيه‪ ،‬وعن الشهر الذي هم فيه‪ ،‬مع أنه‬ ‫يفترض أنهم يعرفون اليوم والشهر جيدا‪ ،‬فقد كان يوما من أيام الحج الذي يعرفونه كما يعرفون‬ ‫أسماءهم‪ .‬وهو ما تؤيده نصوص المقتبسين ذاتها‪ " :‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه"‪.‬‬ ‫إذن فهم يعرفون اسمه األصلي‪ ،‬لكنهم لم يكونوا متأكدين إن كان هذا االسم سيظل كما هو أو أن‬ ‫الرسول سيغيره‪ .‬لكن األمر لم يكن يتعلق باسم شعيرة من الشعائر فقط‪ ،‬بل يشمل اسم مكة ذاتها‪.‬‬ ‫فهم لم يحيروا جوابا حين سألهم عن اسم المدينة التي كانوا يقفون على صعيدها‪ :‬البلدة الحرام‪،‬‬ ‫مكة‪ .‬هم يعرفون أنها البلدة الحرام بالتأكيد‪ .‬لكن من يضمن لهم أن الرسول الذي وقف لهم خطيبا‬ ‫يومها لن يغير اسمها‪ ،‬أو لم يغير اسمها؟ لذلك سكتوا بانتظار أن يصلهم الخبر اليقين من فم‬ ‫الرسول‪ .‬فقد كان هذا زمان النسخ والتثبيت‪ .‬زمن إعادة تسمية األشياء‪ .‬من أجل هذا تكررت‬ ‫جملة‪" :‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه" في النصين‪ .‬وهذه الجملة تمثل المناخ الذي‬ ‫أحاط بخطبة الوداع في ذلك اليوم الخطير من التاريخ‪.‬‬ ‫ففي ذلك اليوم كان‪" :‬الزمان قد استدار حتى عاد كهيئته األولى يوم خلق هللا السموات‬ ‫واألرض"‪ ،‬كما قال الرسول في خطبته‪ .‬أي عاد إلى وضع يشبه الوضع الذي كان بعيد خلق‬ ‫السموات واألرض‪ .‬ويوم خلقت السموات واألرض لم يكن لألشياء والكائنات أسماء بعد‪ .‬كانت‬ ‫الكائنات كلها تقف في الصف كي تحصل على أسمائها‪ ،‬على بطاقات هوياتها‪ .‬وقد كان يمكن‬ ‫لألرض مثال أن تسمى سماء أو حجرا أو نخلة‪ .‬وكان يمكن للحجر أن يسمى كوكبا‪ .‬إرادة هللا‬ ‫فقط هي التي تحدد ذلك فقط‪ .‬ويوم حجة الوداع كان مثل ذلك اليوم‪ .‬إنه يوم الخلق الثاني بإرادة‬ ‫هللا‪ .‬أو هو يوم إعادة الخلق ذاته من جديد‪ .‬لذا تعطلت األسماء كلها‪ ،‬وصار يمكن لمكة أن تأخذ‬ ‫اسما آخر غير اسمها‪ .‬بذا فقد كان الرسول في ذلك اليوم مثل آدم عندما أعطى األشياء أسماءها‬ ‫للمرة األولى‪" :‬وعلم آدم األسماء كلها ثم عرضهم على المالئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤالء إن‬ ‫كنتم صادقين‪ .‬قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪ .‬قال يا آدم أنبئهم‬ ‫بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أنني أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما‬ ‫تبدون وما كنتم تكتمون" (سورة البقرة‪ .)33-31 :‬كان محمد بن عبد هللا في ذلك اليوم هو آدم‬ ‫العصر الجديد‪ .‬كان يمنح لكي شيء اسمه من جديد‪ ،‬أي يشكل بإرادة ربه عالما جديدا‪ .‬وكما قال‬ ‫لهم في تلك الحجة‪" :‬خذوا مناسككم عني"‪ ،‬فالمناسك تتغير وتنشأ اآلن‪ ،‬فإن األسماء تتغير‪ .‬أي‬ ‫أنه قال لهم في الواقع‪( :‬خذوا األسماء من فمي)‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬فجوهر خطبة حجة الوداع هو جملة‪" :‬أال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا‬ ‫السماوات واألرض"‪ .‬فاستنادا إلى هذه الجملة اتخذت أعمق اإلجراءات وأشدها جذرية‪ .‬كانت‬ ‫الجملة تعني وضع الزمان في نقطة الصفر‪ .‬وكان وضعها في هذه النقطة ضرورة من أجل‬ ‫وضع تشريعات جديدة‪ .‬من أجل نسخ أشياء وثبيت أخرى‪ .‬من أجل خلق عالم جديد‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذا ألغيت النسيئة‪ .‬والنسيئة أمر يتعلق بالزمن‪ ،‬بالتوقيت‪ .‬إنها في الحقيقة تعبير عن‬ ‫فعل الزمن في الكون‪ ،‬أو هي دليل على تقدم حركة الكون في الزمن‪ .‬بالتالي‪ ،‬فإعادة الزمن إلى‬ ‫هيئته األولى تعني في المقام األول العودة إلى ما قبل حركة الزمن التي أدت التفاوت بين السنة‬ ‫الشمسية والقمرية‪ .‬وهذا يعني إلغاء النسيئة‪ ،‬التي هي زيادة ‪ 10‬أيام أو ‪ 11‬يوما على السنة‬ ‫القمرية كي تتطابق مع السنة الشمسية‪ .‬لم يكن ممكنا إعادة الزمن إلى بدئه إال بإلغاء النسيئة‪.‬‬ ‫فالنسيئة تعني أن عجلة الزمن كانت قد تحركت لوقت طويل‪ .‬وإعادة الزمن إلى هيئته األولى‬ ‫تعني العودة إلى النقطة التي كانت فيها العجلة قبل بدء حركتها‪.‬‬ ‫وعند البدء لم يكن هناك نسيء‪ .‬أي لم تكن السنة القمرية وال الشمسية قد خلقتا بعد‪ .‬فقد كان‬ ‫الكوكبان متوقفين قبل أن ينطلقا معا‪ .‬وبما أن الزمان قد أعيد إلى نقطة الصفر‪ ،‬إي إلى ما قبل‬ ‫حركتهما‪ ،‬فقد ألغيت النسيئة‪ ،‬واعتبرت كفرا‪" :‬أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به‬ ‫الذين كفروا يحلونه عاما ً ويحرمونه عاما ً ليوطئوا عدة ما حرم هللا فيحلوا ما حرم هللا ويحرموا‬ ‫ما أحل هللا‪ .‬وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا السماوات واألرض‪ ،‬وإن عدة الشهور‬ ‫عند هللا اثنا عشر شهرا ً في كتاب هللا يوم خلق هللا السماوات واألرض"‪ .‬إلغاء النسيئة كان إعادة‬ ‫للكون إلى هيئته األولى‪ ،‬أي إلى نقطة البدء‪ ،‬حيث لم يكن هناك بعد سنة قمرية وال شمسية‪.‬‬ ‫فالزمان يبدأ اآلن‪ ،‬أي قبل السنة الشمسية والقمرية‪ .‬بالطبع‪ ،‬علينا أن نشير إلى أن إلغاء النسيئة‬ ‫حصل بدءا في سورة التوبة (اآلية ‪ .)37‬أي أنه ألغي قبيل حجة الوداع‪ .‬لكن اإلشهار الفعلي‬ ‫إللغائها كان في هذه الحجة‪ ،‬أمام األلوف المؤلفة في مكة‪.‬‬ ‫ومن أجل هذا فقد جرى تثبيت أشهر السنة على أنها ‪ 12‬شهرا‪ .‬ذلك أن النسيئة‪ ،‬أي الكبس‪،‬‬ ‫كانت تضيف شهرا آخر إلى شهور السنة مرة كل ثالث سنين‪ ،‬فتصير السنة ‪ 13‬شهرا‪ .‬لقد‬ ‫أعيدت العربة إلى الوراء‪ ،‬إلى حالة السكون‪ ،‬ثم من هناك فصلت عربة الشمس عن عربة‬ ‫القمر‪ ،‬وسار الزمان بعجلة القمر وحده‪.‬‬ ‫واعتقادي أن اآلية ‪ 189‬من سورة البقرة هي التي رسخت هذا‪" :‬يسألونك عن األهلة قل هي‬ ‫مواقيت للناس والحج"‪ .‬فقبل هذه الفترة التي انتهت بحجة الوداع لم تكن األهلة ميقاتا للحج‪.‬‬ ‫كانت ميقاتا للناس يصرفون بها أمور دنياهم‪ .‬لكنها لم تكن ميقاتا للحج‪ .‬فتحديد موعد الحج كان‬ ‫يجري على أساس شمسي‪ .‬وكان النسأة‪ ،‬أي كهنة التوقيت‪ ،‬هم من يقررون مواعيد الحج‬ ‫باالرتباط مع حركة الشمس واالنقالبات الفصلية‪ ،‬وبحيث يظل الحج في موعده المحدد الدائم‪ .‬ثم‬ ‫ألغت النسيئة‪ ،‬فصار الحج يجري على اساس الشهور القمرية وحدها‪ .‬صار القمر وحده هو‬ ‫الذي يسيّر عربة الزمن‪.‬‬ ‫لكن لم كان اإلسالم بحاجة إلى إعادة الزمان إلى هيئته األولى ويلغي النسيئة؟ لقد فهمنا كيف‬ ‫ألغاها‪ .‬أي فهمنا كيف أن إلغاءها كان يقتضي إعادة الزمان إلى هيئته‪ ،‬لكننا لم نفهم الدوافع وراء‬ ‫ذلك‪ .‬فما هو الدافع؟‬ ‫حجان ال حج واحد‬ ‫إجابة على هذا السؤال علينا القول إنه لم يكن هناك حج واحد في الجاهلية بل حجان‪ :‬حج لطائفة‬ ‫الحمس وحج لطائفة ا لحلة‪ .‬وكان حج الحمس صيفيا‪ .‬ومن المحتمل انه كان يقع في تموز‪ .‬أما‬ ‫حج الحلة فكان خريفيا‪ .‬ويبدو أنه كان يقع بين بين تشرين األول وكانون األول‪ .‬وألنه كان هناك‬ ‫حجان‪ ،‬فقد كان لدينا رجبان‪ ،‬أي شهران مقدسان أيضا‪ :‬رجب مضر‪ ،‬الذي هو الشهر المقدس‬ ‫لطائفة الحمس‪ ،‬ورجب ربيعة‪ ،‬الذي هو رجب طائفة الحلة‪ .‬والترجيب في اللغة هو التقديس‪.‬‬ ‫وهذا يعني أنه كان لكل طائفة من الطائفتين رجبها‪ ،‬أي شهر حجها المقدس‪.‬‬ ‫وفي تلك األيام‪ ،‬أي الفترة الممتدة بين غزوة تبوك وبين حجة الوداع‪ ،‬وربما قبيل ذلك‪ ،‬كانت‬ ‫تجري ورشة لجمع تقليدي الحمس والحلة في تقليد واحد‪ ،‬هو الذي سيكون التقليد اإلسالمي‬ ‫الجديد‪ .‬وكان توحيد الحجين في حج واحد على رأس جدول األعمال‪ .‬وألن الحج مسألة حساسة‬ ‫بالنسبة للطائفتين‪ ،‬فلم يكن بإمكان الرسول أن يثبت موعد حج إحداهما على حساب األخرى‪.‬‬ ‫ذلك ان الطائفة األخرى ستعتبر ذلك هزيمة لها‪ .‬كما أنه لم يكن ممكنا إبقاء الحج مزدوجا كما‬ ‫كان األمر سابقا‪ .‬فتوحيد الحج نقطة حاسمة في توحيد الدين والمجتمع‪ .‬ومن أجل حل هذه‬ ‫القضية اتخذ القرار الخطير‪ :‬إلغاء النسيئة‪ ،‬أي إلغاء ارتباط السنة القمرية بالسنة الشمسية‪ ،‬أي‬ ‫عمليا إلغاء الموعد المحدد للحج‪ .‬بالتالي‪ ،‬فموعد الحج سيختلف كل سنة بعشرة أيام‪ .‬وهو ما‬ ‫سيؤدي إلى انتقاله بالتدريج ليتجول بين الفصول كلها‪ .‬فهو سيكون صيفيا لفترة محددة‪ ،‬ثم شتويا‬ ‫لفترة أخرى‪ .‬وهذا يعني انه سيصادف مرة موعد حج الحمس القديم‪ ،‬وأخرى موعد حج الحلة‬ ‫القديم‪ .‬وبهذه الطريقة تجنب الرسول المشكلة‪ ،‬وأرضى كال من الحمس والحلة‪.‬‬ ‫أما في مسألة موقف الحج فقد حل الرسول والقرآن المشكلة بالجمع‪ .‬فقد كان موقف الحمس في‬ ‫المزدلفة وموقف الحلة في عرفة‪ .‬وكان كل طرف يأمل أن يثبت الرسول موقفه‪ .‬لكن الرسول‬ ‫قدم لهم حال وسطا‪ ،‬أي جعل الحج بموقفين‪ .‬فالناس تقف اآلن على عرفة ثم تقف في المزدلفة‪.‬‬ ‫وباختصار‪ ،‬فقد كان على الرسول منذ فتح مكة‪ ،‬بل وربما منذ أن بدت كثمرة ناضجة على وشك‬ ‫السقوط‪ ،‬أن يوحد الطوائف المكية‪ ،‬وان يحل قضايا الخالف في الشعائر بينها‪ .‬ولم يكن ممكنا له‬ ‫ذلك إال إذا اتخذ موقفا وسطا بينهما‪ ،‬بحيث يؤكد للجميع أنه ال ينحاز إلى طائفة على حساب‬ ‫طائفة‪ ،‬وأنه هو القادم من طائفة الحلة لن يجعل من انتصاره انتصارا لهذه الطائفة‪ .‬وكان هذا ما‬ ‫فعله حقا‪ .‬ولعل آية سورة البقرة رقم ‪ 142‬تشير إلى هذا بالضبط‪" :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬ ‫لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"‪ .‬جعلناكم جماعة وسطا تحكمون بين‬ ‫الطائفتين‪ .‬وكلمة الناس في اآلية ال تعني البشر‪ ،‬بل الحمس والحلة على وجه الخصوص‪ .‬ومع‬ ‫الزمن تغير معنى (الناس) وبدا وكأنها تتحدث عن الناس جميعا‪ ،‬وبدا وكأن اآلية تأكيد على‬ ‫الوسطية كمبدأ عام‪.‬‬ ‫بناء على ما استخلصناه‪ ،‬فإن إلغاء التوقيت الشمسي في اإلسالم حصل لسبب مخصوص يتعلق‬ ‫بطوائف مكة‪ ،‬ال بقرار كوني لكل زمان ومكان‪ .‬وفي الحقيقة فإن التوقيت الشمسي استعيد الحقا‬ ‫في العصر األموي والعباسي‪ .‬فلم تكن الدولة بقادرة على أن تنظم أمورها على أساس التوقيت‬ ‫القمري‪ .‬فالدولة تعيش بالضرائب‪ ،‬أي بالخراج‪ ،‬والخراج يقوم على أساس التوقيت الشمسي‪.‬‬ ‫فال يمكن لدولة حقيقية أن تقوم على أساس قمري‪ .‬لهذا أعيدت الحياة للتوقيت الشمسي‪ ،‬وظل‬ ‫التوقيت القمري مخصصا لشؤون الحج والمواعيد الدينية األخرى‪.‬‬