والدة االبن :باإلرادة أم بالطبيعة؟
إحدى اإلشاكيلات املزعومة عن آباء ما قبل نيقية
إعداد
اعدل زكري
1
مقدمة
يعتمد ابلعض ممن حياربون العقيدة املسيحية ىلع بعض أقوال آباء ما قبل
نيقية ،وباألخص اآلباء الرسويلني واملدافعني ،اليت تفيد بأن االبن مولود
”بإرادة“ اآلب ،يلبنوا ىلع ذلك أن اتلقليد الكنيس قبل نيقية يشء ،وبعد
نيقية يشء آخر .بل يقفزون إىل األمام أكرث زاعمني إن تعليم آباء ما قبل
نيقية هو مطابق تلعليم آريوس وليس أثناسيوس! وأن فكرة والدة االبن بإرادة
ً
اآلب جتعله بالرضورة أدىن من اآلب ،بل وجتعله خملوقا غري أزيل .لكن يف
هذا ابلحث أحاول أن استعرض فكرة الوالدة باإلرادة /أم بالطبيعة بمزيد من
اتلفصيل حىت يتسىن للمدافعني من غري املسيحيني أن يصقلوا ُحججهم يف
ضوء املعلومات اليت سوف أوردها هنا.
بعض أقوال اآلباء الرسويلني واملدافعني
أغناطيوس يف الرسالة إىل سمرينا 1 :1عن املسيح أنه ”ابن اهلل ،حسب مشيئة
وقوة اهلل“ 1.يوستني الشهيد يقول عن االبن ”هو يصنع إرادة اآلب ألنه ودل
ً
بإرادة اآلب“ (احلوار مع تريفو .)61ثيؤفيلوس األنطايك أيضا يقول” :عندما
ً
ً
أراد اهلل أن خيلق ما سبق وخطط هل ودل لكمته اللوغوس ،جاعال إياه فاعال يف
اخلارج“ (إىل أوتويلكوس .)22 :2نفس اليشء ترتليان يقول” :بمجرد أن ُ ر
س
ً
ُ
اهلل أن خيرج املوجودات الك يف جوهره وصورته اليت سبق وخطط ورتب هلا
ً
داخل ذاته ،باالتصال مع عقل ولكمة حكمته ،أخرج لكمته نفسها أوال ،إذ
يملك بداخل ذاته عقله وحكمته غري القابلني لالنفصال عنه ،حىت أن لك
1
احلاشية رقم 124صفحة 361من كتاب اآلباء الرسويلون ،إصدار بناريون تقول إن اآلباء اختلفوا مع القديس أغناطيوس يف
هذه املسألة ،وهو ما يستغله مؤلف كتاب ”نقد اتلقليد الكنيس“ حممد هنداوي األزهري ،صفحة .120 -119كما يعيب ىلع
أجمد بشارة عدم اكرتاثه بهذه املسألة يف نفس الكتاب صفحة .137
2
ُ
ُ
األشياء تصنع به أي من خالل من قد سبق وخطط هلم وأعدهم ،بالفعل
خلقهم بالفعل بالكيفية اليت وجدوا بها يف عقل اهلل وفكره“ (ضد
براكسياس .)6وهيبويلتوس الروماين يقول عندما تصور اهلل العالم يف فكره
”أراد ونطق اللكمة“ (ضد هرطقة نوئيتوس .)10ويف نفس الكتاب يقول إن
اللكمة ”ودله اهلل اآلب بمرسته الصاحلة كيفما شاء“ (.)16
نأيت إىل العالمة أورجيانوس ،اذلي يعلمنا ملاذا قال اآلباء املدافعني بأن االبن
مولود باإلرادة ،وبأي معىن نفهم هذا .يقول أورجيانوس:
ألن اهلل اآلب غري منقسم وغري منفصل عن االبن ،فليس عن طريق
الصدور emanationمنه ،كما يفرتض ابلعض ،قد ودل االبن .ألنه إذا اكن
ً
صدورا من اآلب ،وكما يقال إن هذا الصدور يشري إىل والدة من
االبن
فحينئذ فالك من اذلي
انلوع املعتاد يف حالة ذرية احليوانات أو البرش،
ٍ
أصدر والصادر هما بالرضورة جسمان .ألننا ال نقول مثلما يفرتض
جزءا من اهلل قد ّ
ً
حتول إىل االبن ،وال أن االبن قد ودل من
اهلراطقة بأن
اآلب من العدم ،بمعىن من خارج جوهره ،حبيث يوجد ”وقت“ لم يكن
ً
فيه االبن موجودا .لكننا إذ نقىص عنا لك املعاين اجلسمانية ،نقول إن اللكمة
واحلكمة قد ودل من اهلل غري املنظور وغري املتجسم بدون أي انفعال
جسدي ،passioكفعل من اإلرادة voluntasيصدر عن العقل .ولن يبدو
من العبث إذا اعتربنا أنه بهذه الطريقة هو ابن إرادته ً
أيضا لكونه ُديع ابن
املحبة( .املبادئ .)1 :4 :4
2
يعلق ولفسون 3ىلع هذا انلص املهم ألورجيانوس ،ويقول إن أورجيانوس ينيف
عن الوالدة أن تكون ىلع مثال احليوانات أو البرش ،أو حىت ىلع مثال اخلليقة
2
ترمجيت عن الرتمجة اإلجنلزيية اليت قدمها الالهويت جون بري ،إصدار أكسفورد ،املجدل ،2ص .563
Wolfson, The Philosophy of The Church Fathers, p. 225- 226.
3
3
اليت جاءت من العدم .ألن أورجيانوس يتعرب هذا وذاك يؤديان إىل وجود
ً
َّ
متصور عن اهلل االبن.
”وقت“ لم يكن فيه االبن موجودا ،وهذا غري
ومع ذلك يتبع أورجيانوس فيلون السكندري ولك اآلباء الرسويلني واملدافعني
من قبله القائلني بوالدة االبن باإلرادة .لكن يف مقاومته للغنوصيني حياول
ً
أورجيانوس أن يثبت أن اإلرادة هنا املتعلقة بوالدة االبن ليست انفعاال
جسديًا كما حيدث عند البرش أو احليوانات ،وإنما كفعل صادر عن العقل.
يعلق ولفسون ً
أيضا بأن ما حياول أورجيانوس أن يفعله هنا هو اتلميزي بني
اإلرادة البرشية واإلرادة اإلهلية ،فاألوىل تتضمن عنرص االنفعال ،أي امليل
والرغبة ،وهما يعربان عن انلقص واالحتياج .وباتلايل فلك عمل لإلرادة
البرشية هل بداية وهل نهاية .وهذا امليل والرغبة وما يصاحبهما من نقص
واحتياج ال وجود هلم يف حالة اإلرادة اإلهلية .ألن اإلرادة يف نظر ولفسون كما
يفهم من الكم أورجيانوس يه عمل للعقل املحض والفكر املحض والصالح
املحض ،ولكهم متطابقون يف حالة اجلوهر اإلليه.
ً
كذلك ختتلف اإلرادة البرشية عن اإلهلية بأن اإلهلية يمكن أن تؤدي فعال
ً
ً
ودائما كما يف حالة والدة اللوغوس.
هل بداية ونهاية مثل اخللق ،أو فعال أزيلًا
ً
حبسب ولفسون البد أن هذا الفهم اكن مألوفا دلى لك اآلباء السابقني اذلين
ً
مجيعا اكنوا يدركون هذا االختالف بني
حتدثوا عن والدة االبن باإلرادة .وأنهم
اإلرادة البرشية واإلهلية.
ثم يناقش ولفسون فكرة أخرى ويه ملاذا لم يتبع أورجيانوس أستاذه أمونيوس
سقاس اذلي قال إن الواحد يدل انلوس Nousبدون إرادة (اتلاسواعت :1 :5
)6؟ وإجابة أورجيانوس أنه بعدما قال إن والدة االبن يه باإلرادة أو كفعل
صادر عن العقل يقول” :ولن يبدو من العبث إذا اعتربنا أنه بهذه الطريقة هو
ُ
ً
ابن إرادته (اآلب) أيضا لكونه ديع ابن املحبة“ .وهو يشري إىل كو 13 :1عن
4
ً
أن االبن هو ابن حمبته (أي اآلب) .وهنا إشارة أيضا إىل فكرة رواقية تقول
بإن املحبة يه نوع من اإلرادة.
4
ً
يلخص ولفسون ما يريد أن يقوهل أورجيانوس هنا يف عبارة بليغة قائال” :ال
ينبيغ ىلع املرء أن يصف الوالدة األزيلة للوغوس ىلع أنها عمل من أعمال
اإلرادة حبسب املعىن اتلقن اخلالص ملصطلح اإلرادة كما هو ُمستخدم من
قبل الفالسفة ،لكن حبسب ما يصف الكتاب املقدس اللوغوس ىلع أنه "ابن
املحبة" .وحبسب ما يعرف الرواقيون املحبة كنوع من اإلرادة ،يسوغ للمرء أن
يصف والدة اللوغوس كعمل من أعمال اإلرادة“.
5
ذللك حبسب ولفسون لم جيد أيريناؤس وال أورجيانوس أنفسهما مضطرين
للتخيل عن وصف والدة االبن باإلرادة ،ولم خيش أي منهما أن هذا قد يُفهم
ىلع أنه ”نظرية ذات مرحلتني“ .ولم يصف أي منهما اتلعليم بانلظرية ذات
املرحلتني ىلع أنه هرطقة .لكن الفكرة استغلها آريوس أسوأ استغالل ،فبدأ
التشكك يف الفكرة أو باألحرى بدت هناك رضورة يف تفصيل الفكرة
ً
للوقوف ىلع املقصود منها حتديدا.
ُّ
ما زنلا مع الفكرة يف مراحل تكشفها .اكن القديس أثناسيوس يعرف بالطبع
أن اآلباء استخدموا فكرة الوالدة باإلرادة من قبله ،ويعرفنا بأن صاحب هذه
الفكرة هو بطليموس من أتباع فانلتينوس 6.ويدعم نفس الفكر أسترييوس
4
”حتت اإلرادة ...تندرج انلية احلسنة ،eunoiaواألرحيية ،eumeneiaوالعاطفة ،aspasmosواملحبة “...agapesis
انظر حياة مشاهري الفالسفة –ديوجنيس الالئريت ( :7فقرة ،)116اجلزء اثلاين ،ترمجة إمام عبد الفتاح ،املركز القويم للرتمجة،
ص .196
6
Wolfson, Philosophy of Church Fathers, p 227.
ق أثناسيوس السكندري ،ضد األريوسيني ،ترمجة املركز األرثوذكيس ،مقالة ،59 :30 :3ص .376
5
5
السفسطايئ واذلي قال بأن لك يشء ينتج عن إرادة اهلل ،سواء اكن هذا اليشء
ً
ً
7
مولودا أو خملوقا.
يضع القديس أثناسيوس تعبري ”باإلرادة“ يف مقابل تعبري ”بالطبيعة“ 8،فيقول:
ً
”اإلنسان بواسطة اإلرادة يبن بيتًا ،لكنه بالطبيعة يدل ابنا .وما يُبىن باإلرادة هل
بداية للوجود ،وهو خارج عن الصانع .لكن االبن هو مولود حقييق من جوهر
ً
خارجا عنه“ 9.ويف موضع آخر يقول” :اخلليقة يه من خارج
األب وليس
اخلالق ..يف حني أن االبن هو املولود احلقييق من اجلوهر .وباتلايل ليس هناك
حاجة للمخلوق أن يوجد ً
دائما ،ألن اخلالق خيلقه وقتما يشاء .لكن املولود
ً
خاضعا لإلرادة ،لكنه خاص باجلوهر“.
ليس
10
يعلق ولفسون ىلع هذين انلصني ويؤكد أن أثناسيوس ال يقارن أفعال اهلل
بوجه اعم أمام أفعال اإلنسان بوجه اعم .ألن اهلل يفعل باإلرادة كما يف اخللق،
ً
واإلنسان يفعل بالطبيعة كما يف والدة األبناء .وال يقارن أثناسيوس أيضا بهذا
بني فعل أزيل وفعل زمن ،ألن الفعل بالطبيعة يمكن أن يكون غري أزيل
كما يف حالة والدة ابن برشي من أب برشي .وإنما اتلفرقة اليت يقصدها
أثناسيوس يه بني ما يأيت من جوهر الفاعل نفسه ( substance of the
)agent himselfوما ال يأيت من جوهر الفاعل نفسه.
11
7
ق أثناسيوس ،ضد األريوسيني ،مقالة ،60 :30 :3ص .377
8يقول ق أثناسيوس يف املقالة اثلانية من كتاب ”ضد األريوسيني“ بأن هناك ً
شيئا أىلع من املشيئة وهو الطبيعة اخلصبة .وقد
ً
اعتمد ىلع فكرة طبيعة اآلب اخلصبة الولودة ،واآلب اذلي لم يكن ً
ً
ً
ينبواع جافا ،يلؤكد أن االبن هو ثمرة اآلب
عقيما أو
أبدا
ً
خارجا عنه .لكنه يف ذات الوقت يؤكد ىلع أن االبن نفسه هو ”إرادة
ومولود اآلب ،اذلي ودل فيه يف مقابل اخلليقة اليت أوجدت
اهلل احلية“( .ضد األريوسيني .2 :14 :2
9
10
ضد األريوسيني 62 :3ترمجيت.
ضد األريوسيني 29 :1ترمجيت.
Wolfson, p. 228.
6
11
لكن السؤال هنا :إذا اكن اخللق باإلرادة ال جيعل اخلليقة أزيلة ،فلماذا جتعل
الوالدة باإلرادة االبن أزيلًا؟ اإلجابة حبسب ولفسون أن أثناسيوس مثل
أورجيانوس يعلم أن إرادة اهلل يمكن أن ”تنشئ“ شيئًا أزيلًا ،كوالدة االبن،
وشيئًا غري أزيل اكخلليقة.
ً
املهم أن ق أثناسيوس بعد رفضه لوالدة االبن باإلرادة يعود ويستدرك أيضا بأن
ً
هذه الوالدة ليس بدون إرادة اآلب وليست ىلع عكس إرادته .فإنه يؤكد أيضا
ىلع أن االبن هو نفسه مشيئة أو إرادة اآلب احلية 12.وأن االبن هو موضع
مرسة اآلب ُ
وحبه ،ويبدو هنا الالكم قريبًا من الكم أورجيانوس ىلع أن املحبة
يه نوع من اإلرادة.
ً
يقول ق أثناسيوس” :فال يقدم أحد مع فانلتينوس من اآلن فصاعدا مشيئة
(إرادة) سابقة وال يُقحم أحد نفسه باستخدام هذه املشيئة يف الوسط بني
اآلب الوحيد واللكمة الوحيد ،ألنه من اجلنون أن توضع املشيئة والرأي بني
اآلب واالبن“ 13.يتضح جليًا هنا أن ما يرفضه ق أثناسيوس هو فكرة اإلرادة
ً
السابقة زمنيًا ،واليت تتضمن ”ميال يف اجتاهني ،حىت يمكن للمرء أن يفرتض
أن اآلب اكن يستطيع حىت أن ال يريد وجود االبن“ ،ولكن هذا ال يعن أن
والدة االبن فيها إجبار أو إراغم ىلع اآلب .وباتلايل حىت وإن اكن ق أثناسيوس
يضع اخلليقة اليت وجدت بإرادة اآلب يف مقابل االبن اذلي وجد من جوهره،
إال أنه يستدرك ىلع ذلك بأن هذا ال يعن أن االبن يودل بدون إرادة اآلب أو
بعكس إرادة اآلب.
يسري ق كريلس السكندري ىلع نفس خطى ق أثناسيوس تقريبًا ويرشح هذه
املسألة تفصيليًا يف كتابه ”الكنوز يف اثلالوث“ ويف املقالة ،7اليت تبدأ بعرض
12
13
نفس املرجع السابق ،ص .381
نفس املرجع السابق ،ص .385
7
ُ
ُحجة اهلراطقة اليت تقول إن اكن االبن ودل دون إرادة اآلب فقد أرغم اآلب،
ً
ً
وإذا ودل بإرادته ”فقد تطلب هذا
تفكريا مسبقا ،وباتلايل فإن اآلب يوجد قبل
االبن بسبب إرادته اليت توسطت قبل الوالدة“ 14.وحياجج ق كريلس اكآليت:
ُ
-1االبن قيل عنه أنه اكئن ،ولم تذكر عنه آيات تفيد بتفكري مسبق يف
والدته كما حدث يف حالة املخلوقات.
ً
-2االبن هو حكمة اهلل وقوة اهلل وهو اذلي تتم به إرادة اهلل أصال،
فكيف صار هو بإرادة اآلب .االبن هو نفسه مشورة اآلب.
-3لو اكن اآلب قد ودل االبن باإلرادة تلطلب هذا حكمة أخرى (يف
اآلب) غري االبن .وال يوجد سوى لكمة وحكمة وابن واحد وليس
اثنني.
-4يفرس ق كريلس ”اكن“ يف ”يف ابلدء اكن اللكمة“ بمعىن أنه اكئن
ً
بالفعل ،وليس بمعىن ”صار موجودا“ ،وباتلايل الكم اهلراطقة خيالف
ق يوحنا.
-5االبن هو خالق ادلهور ،وال زمن قبل والدته.
-6ولو اكن االبن بغري إرادة اآلب ،فمن هو أعظم منه يلجربه ىلع ذلك؟
-7ثم يسأل ق كريلس اهلراطقة هل اهلل صالح وقدوس بإرادته أم بدون
إرادته؟ فلو اكن بإرادته فبحسب منطقهم اهلل ليس صاحلًا ً
دائما ،ولو
اكن بغري إرداته فمن أرغمه .نفس اليشء ينطبق ىلع والدته االبن.
-8يقول” :األمور اليت تصري بالطبيعة ال تسبقها إرادة تفكري ،لكن
هذه اإلرادة تتدخل فقط بالنسبة لألمور اليت تقع خارج جوهر ذاك
اذلي فكر يف أن يفعلها“ .صناعة سفينة يسبقها فكر ،والدة ابن ال
14
ق كريلس السكندري ،الكنوز يف اثلالوث ،املقالة ،7ترمجة د جورج عوض ،ص .82
8
يسبقها فكر .وبناء ىلع ذلك يستنتج :اآلب ”ال يدل االبن بإرادته بل
حبسب الطبيعة“.
-9اآلب نفسه اكئن بدون إرادة مسبقة ،كذلك االبن.
” -10االبن لم يرص بإرادة اآلب ،مثل املخلوقات ،ألنه هو إرادة اآلب
احلية واليت خيلق بها اآلب لك يشء“.
-11االبن يف اآلب ،فأين يمكن أن توجد هذه اإلرادة؟
ُ
-12لو خلق االبن باإلرادة مثل بايق املخلوقات ،فكيف خيتلف عنها
هذا االختالف الكبري .هو الرب واالبن ويه خادمة .املخلوقات
ّ
صارت بإرادة اآلب ،أما االبن فهو ذاته إرادة اآلب.
ً
-13يقول ق كريلس” :بالرغم من أنه لم يدل االبن من بعد إرادة ،فأيضا
لم يكن دليه بدون إرادته .ألنه يريد االبن وحيبه“ 15.هنا
االستدراك اذلي جيعلنا نقول إنه ”ودل باإلرادة“ بتقييد املعىن ،أي
ً
بنيف اإلرادة إن اكنت سابقة ،وإن اكنت تتضمن ميال يف الك
االجتاهني.
-14يقول ق كريلس” :ال يمكن أن تكون هناك إرادة بدون لوغوس
(لكمة /فكر) ،ألن اإلرادة عبارة عن اللكمة املخبؤة يف القلب دون
أن تظهر ،واالبن هو مشورة اآلب ولكمة اآلب“.
16
-15انلار تدل احلرارة بالطبيعة” ،اذلي يأيت من الطبيعة ال يقبل إرادة أو
عدم إرادة“ .ثم يستدرك ”لكنه يدل االبن أزيلًا من ذاته ،دون أن
تكون لإلرادة أي موضع ،بالرغم من أن االبن ليس بدون إرادة
15
16
نفس املرجع السابق ،ص .93
نفس املرجع السابق ،ص .94
9
اآلب ،ألن اآلب حيب االبن“ 17.ويف العبارة األخرية نفس الكم
أورجيانوس وق أثناسيوس كما سبق اإلشارة إيله.
-16لو قلتم إن اآلب دليه فكر وطبيعة ،نسبتم إيله الرتكيب ،فريد ق
كريلس بأن اآلب دليه خاصية أن يدل بطبيعته ،وأن خيلق بواسطة
االبن ،ومع ذلك فهو غري مركب ..وهكذا يف الصفات األخرى
الكثرية ال تبطل البساطة.
ويتعرض ً
أيضا ق كريلس نلفس املسألة يف كتابه ”احلوار حول اثلالوث“
ويرشح حماوره إرميا اإلشاكيلة ىلع لسان اخلصوم بأنه إن قلنا إن الوالدة
ً
رغما عنه ،وآخر أرغمه ،أو ”فوئج حبدث لم
ليست بإرادة اآلب ،تكون
يكن يتوقعه“ 18،وإذا قلنا إنه ودل بإرادة اآلب” ،فمعىن ذلك أن إرادة اآلب قد
سبقت عملية الوالدة“.
19
يرفض ق كريلس هذا الالكم ويقول:
ً
”نلؤكد أن اآلب لم يكن ً
حمروما من ابنه ،بل االبن اكئن ً
دائما يف
يوما
ً
أبدا آبًا لالبن ً
رغما عنه وهذه
اآلب األزيل اذلي بال بداية .وهو لم يكن
أبدا قبل الوالدة .وألن إرادة اآلب حكيمة ً
اإلرادة ال تنشأ وال تظهر ً
جدا
ّ
واعقلة ،فال جيرؤ أحد ىلع أن يديع أن إردة اهلل غري حكيمة أو غري اعقلة.
وهكذا فإن االبن هو حكمة اهلل اآلب وعقله .وهكذا فيف االبن توجد لك
إرادة اآلب“.
17
18
19
20
20
نفس املرجع السابق ،ص .96
ق كريلس السكندري ،احلوار حول اثلالوث ،ترمجة د جوزيف موريس فلتس ،احلوار اثلاين ،ص .83
نفس املرجع السابق.
نفس املرجع السابق ،ص .84 ،83
10
ً
يتضح من الالكم السابق ايضا أن ق كريلس ال يرفض اإلرادة بشلك اعم ،لكنه
يرفض ”اإلرادة السابقة“ وهو ما يؤكد عليه ولفسون ً
أيضا.
مرة أخرى يسخف ق كريلس ،مثل ق أثناسيوس من قبلهُ ،حجة هؤالء
اخلصوم بتطبيقها ىلع وجود اهلل نفسه هل بإرادته أم بغري إرادته ،اخليار اثلاين
جيعل ”وجوده اضطراريًا“ ،واخليار األول جيعل االبن سابق ىلع اآلب؛ ألن
االبن هو إرادة اآلب .وهو ما يرفضه ق كريلس ألنه يرى أن الوادل ”يسبق“
ُ
املولود .هذه األسبقية تفهم منطقيًا وليس زمنيًا بطبيعة احلال .ألن اهلل ليس
فيه سابق والحق ،فنحن تسنتفذ موارد اللغة ،وال نستخدمها باتلطابق
( univocallyأو باتلواطؤ كما يقول علم املنطق) بل بمعىن األنالويج
.analogicalوال يمكن تصور أنه يقول ”يسبق“ هنا بمعىن فيه تتابع زمن،
ألنه سبق ورفض فكرة إرادة سابقة ىلع والدة االبن.
كما يطبق ق كريلس األمر نفسه ىلع أفعال أخرى إهلية مثل الرمحة ،مثلما
فعل من قبل ق أثناسيوس ،فعدم اإلرادة جتعله ”خاضع لرضورات“ وتنسب هل
”األفعال الالإرادية“ .أما خيار اإلرادة فيخلق ”مسافة من الزمن يف داخل اهلل
ً
ً
قاطعا .ثم
نفسه“ قبل أن يقوم بهذه األفعال ،وهو ما يرفضه ق كريلس رفضا
يستشهد بقول مأثور يقول” :الطبيعة أرادت وال تبايل بالقوانني“ ،ثم يقول
”فال اإلرادة وال عدم اإلرادة يعوقها“ 21.ثم يعود ويقول” :هو وادل بالطبيعة
واجلوهر ،وما هو طبييع يف الاكئن ،ال يكون غري إرادي ،ألن طبيعته وإرادته
ً
ً
متالزمتان“ 22.وأيضا ”اهلل اآلب هو آب بطبيعته وهذه يه إرادته أيضا ...فاهلل
ً
صالح وقدوس بطبيعته وإرادته ...الوالدة عنده ليست شيئًا الحقا للوجود ،ويف
21
22
نفس املرجع السابق ،ص .85
نفس املرجع السابق ،ص .86
11
ً
الوقت اذلي نفكر فيه أنه موجود واكئن جيب أن نفكر يف أنه أيضا آب“ 23.هنا
اتضحت الفكرة املهمة أن الطبيعة واإلرادة متالزمتان يف اهلل .وباتلايل
يمكننا القول بإن االبن مولود من جوهر أو طبيعة اآلب ليس بدون إرادته ،أو
نقول إنه مولود باإلرادة املالزمة و”املزتامنة“ لطبيعته داخل طبيعته وليس
خارج طبيعته.
ّ
أما غريغوريوس انلييس فيقول:
ً
َّ
ما نريد أن نفعله هو أن نقنع من يقولون بأن اآلب تفكر أوال ،وبعد ذلك
حتقق أن صار أبًا ،وهكذا بهذه الطريقة يثبتون ابلداية املتأخرة .حنن
نستخدم أية أمثلة قد تكون متاحة نلا نلحول تفكريهم إىل ادلين
الصحيح .ألن هذا الرباط غري املنقطع (بني اآلب واالبن) ال جيرب إرادة
ً
رغما عنه من خالل رضورة طبيعية،
اآلب كما لو اكن قد اقتىن االبن
وكذلك ً
أيضا اإلرادة ال تفصل االبن عن اآلب مثل فاصل يفصل بينهما.
كذلك ال ينبيغ عليهم أن يرفضوا من العقيدة فكرة إرادة الوادل من جهة
االبن ،كما لو أن رباط الوحدة بني اآلب واالبن قد قيدها ،أو احنل هذا
ُ
الرباط غري القابل لالحنالل عندما نسب فعل الوالدة لإلرادة .إنها عالمة
طبيعتنا العنيدة واملتمردة أن االمتالك واإلرادة ال يوجدان دلينا يف نفس
الوقت ،لكن يف ابلداية نريد أن نملك شيئًا ليس دلينا ،وبعد ذلك حنصل
ىلع لك ما أردنا احلصول عليه.
لكن يف حالة الطبيعة (اإلهلية) البسيطة ولكية القدرة فإن لك يشء يُدرك
ً
ً
معا ويف نفس اللحظة ،الك من إرادة الصالح وامتالك ما تريد .يف الطبيعة
األزيلة ،الصالح واإلرادة األزيلة يعتربان متحققني ومتحصلني وجوهريني
23
نفس املرجع السابق ،ص .87
12
ً
دائما .فال تنشأ يف نقطة بداية ما ،وال يمكن تصورها بدون ما تريده.
بالنسبة هلل من املستحيل أال توجد اإلرادة الصاحلة ،وكذلك من املستحيل
أن ما يُراد ال يصاحب القصد؛ إذ ال يوجد سبب يربر أن ما هو حق ال
يوجد لآلب أو يعوق امتالكه ملا يريد .وذللك ألن اهلل االبن الوحيد هو
الصالح بالطبيعة ،أو باألحرى هو فوق لك صالح ،فالصالح ليس غري
مقصود من اآلب ،وهذا يثبت بوضوح أن رباط االبن مع اآلب هو غري
منقطع ،immediateوكذلك فإن اإلرادة املوجودة إىل األبد يف الطبيعة
ُ
ُ
الصاحلة ال تطرد وال تستثن بهذا الرباط غري القابل لالنفصال.
24
هل رأينا الرشح ادلقيق تلالزم اإلرادة مع الطبيعة ،والرباط غري املنقطع بني
االبن وأبيه ،ونصيحة انلييس للخصوم بعدم رفض فكرة اإلرادة يف مسألة
والدة االبن .والكمه عن أن طبيعتنا البرشية املحدودة وانلاقصة يه ما تتضمن
فاصل بني ما ينقصنا ونفكر فيه ووقت امتالكنا هل ،لكن هذا األمر غري
َّ
متصور يف اهلل.
موجود وال
ً
من اآلباء الكبادوك أيضا ،القديس غريغوريوس الزنيانزي ،اذلي يتحدث عن
نفس األمر يف خطبه الالهوتية الشهرية ،واذلي يتحدث عن اهلراطقة اذلين
يقولون” :هل ودل (اآلب) االبن بإرادته أو بغري إرادته؟ ويعتقدون أنهم هكذا
يقيدوننا من انلاحيتني ،لكنها قيود واهية وهزيلة .ويقولون :إذا اكن اآلب قد
ودل االبن بدون إرادته فهو يكون ً
جمربا ىلع أن يدل .لكن من ذا اذلي أجربه؟
ُ
ً
وكيف يكون ً
إلها ذاك اذلي جيرب (ىلع فعل يشء)؟ وأيضا إذا اكن (اآلب) قد
Gregory of Nyssa, Contra Eunomium III, part 6, 15- 18, edited by John Leemans and
24
Matthieu Cassin, Brill, p. 155- 156.
13
ً
فحينئذ سيكون االبن هو ثمرة اإلرادة أي ابنا هلا ،وكيف
ودل االبن بإرادته،
ٍ
ً
25
سيكون إذن مولودا من اآلب“.
الزنيانزي هنا يقول إن اهلراطقة جعلوا لالبن ” ً
أما“ ويه اإلرادة! وحىت جييبهم
الزنيانزي قال للمعرتض املتخيَّل” :هل ودلت بإرادة أبيك أم بغري إرادته؟“
ً
وطبعا يف حالة أنه قال بغري إرادته يكون األب ً
جمربا لألسف .ويف حالة إنه
قال بإرادته يصبح هو ابن لإلرادة وليس ألبيه!
كما يؤكد الزنيانزي الفكرة السابقة عن أنه يف اهلل يتطابق فعل الوالدة مع
إرادة الوالدة ”بدون أي وسيط“ ،مثله يف ذلك مثل مسألة وجود اآلب نفسه،
ويه نفس الفكرة اليت قال بعض اآلباء السابقون .يقول الزنيانزي ملعارضه:
”هل اآلب هو اهلل بإرادته أم بغري إرادته؟ وليك أجتنب مراوغتك سأسألك:
لو اكن هو اهلل بإرادته فمىت بدأت دليه هذه اإلرادة؟“ ليس –ىلع أية حال-
ً
وأيضا لو اكن هو اهلل بغري إرادة منه،
قبل أن يوجد؛ إذ لم يكن شيئًا قبله...
فما اذلي اضطره ذللك؟“
26
إذا انتقلنا إىل اآلباء الالتني ،سنجد أن نفس اليشء يقوهل هيالري أسقف
ً
بواتيه” :اذلي ودل من اجلوهر ودل أيضا بقصده وإرادته ،ألن الكمال املطلق
جلوهر اهلل املولود من جوهر اهلل خيرج من إرادته وقصده ،وليس بطريقة
الطبائع املادية“.
27
نفس اليشء يقوهل ماريوس فيكتورينوس عن والدة االبن من اآلب ”ليست
برضورة الطبيعة ولكن بإرادة عظمة اآلب“ 28.ويقول إن ”االبن خمتلف عن
25
26
اخلطب الالهوتية ،ترمجة د جوزيف موريس فلتس ،إصدار بناريون ،ص .74
اخلطب الالهوتية ،7 :29ترمجة د جوزيف موريس فلتس ،ص .76
De Synodis, 37.
Adv. Arium I, 31.
14
27
28
اآلب باعتباره إرادة اآلب .ابن اآلب باعتباره إرادة اآلب .ألن لك إرادة يه
والدة ..ذللك هو إرادة اآلب ...هذه اإلرادة ذاتها يه ابلنوة .ذللك فاذلي دليه
اإلرادة هو اآلب .واإلرادة نفسها يه االبن .واللوغوس هو اإلردة ،ذللك
فاللوغوس هو االبن“ 29.العبارات األخرية تتطابق مع تعبري ق أثناسيوس وق
كريلس بأن االبن هو ”إرادة اآلب احلية“.
ً
نقرأ للقديس أمربوسيوس أيضا يف كتابه ”رشح اإليمان املسييح“ ما ييل:
وييل ذلك جتديف آخر ،واذلي به يسألون ما إذا اكن اآلب قد ودل ابنه من
خالل إرادته اخلاصة احلرة أم عن إجبار ،وهم يقصدون أننا إن قلنا” :من
خالل إرادته احلرة اخلاصة“ ،يظهر كما لو كنا نعرتف أن إرادة اآلب قد
سبقت الوالدة اإلهلية ،وإن أجبنا أنه اكن هناك يشء قد سبق وجود االبن،
فيكون من ثم أن االبن غري مساو لآلب يف األزيلة ،أو أن يكون مثل بايق
ً
اكئنات العالم اكئنًا خملوقا ...وإن أجبنا أن اآلب قد ودل ابنه عن إجبار،
فسيبدو أننا ننسب الضعف لآلب.
ولكن يف امليالد األزيل ال توجد حالة سابقة ،ال عن إرادة وال عن غري
إرادة ،ذللك ال أستطيع أن أقول إن اآلب ودل (االبن) حبرية إرادته ،وال
ً
أيضا أنه ودله عن إجبار ،ألن الوالدة تعتمد ال ىلع االحتمايلة كما حتددها
اإلرادة ،بل يه باألحرى خاصة اآلب ،ويه خاصية لكيانه الرسي .وكما أن
اآلب ليس صاحلًا ألنه يريد أن يكون هكذا ،وال بسبب أنه جمرب أن
يكون هكذا ،بل هو فوق هذه األحوال ،هو صالح ،أي أنه صالح بالطبيعة
وهكذا فإن إظهار قوة إيالده بالطبيعة ،ال يه عن إرادة وال عن اضطرار.
30
30
Againts Arius IA, 31.
ق أمربوسيوس ،رشح اإليمان املسييح ،104 -103 :4 :4ترمجة د نصيح عبد الشهيد ،ص .253
15
29
نالحظ من الكم ق أمربوسيوس أن هناك بعض اآلباء اذلين ينهون املسألة
عند رفض اإلرادة وعدم اإلرادة دون استدراك مثلما فعل ق أثناسيوس وق
كريلس ،وربما رأوا يف ذلك إنهاء العرتاض اخلصوم اذلين ال يمكن أن
ً
يتصوروا فعل الوالدة بدون إرادة سابقة عليها .ربما من بني هؤالء أيضا ق
إبيفانيوس أسقف سالميس حيث يقول:
هل اآلب ودل االبن باإلرادة أم الإراديًا؟ ...لو قلنا "الإراديًا" فنحن نتهم
ّ
األلوهة باإلكراه ،ولو قلنا "إراديًا" فنحن نسلم بأن اإلرادة وجدت قبل
اللكمة ..ولو قلنا إنه ودل ال إراديًا ،إذا فاأللوهة تكون قد انقادت باضطرار
الطبيعة وليس حبرية اإلرادة ،لكن ال يوجد يشء من هذا يف اهلل كما
تفهمه أيها املختال .فإن تلك األمور ليست دلى اهلل .ذلا فهو لم يدل إراديًا
أو الإراديًا ،بل بسمو طبيعته .فإن الطبيعة اإلهلية تسمو فوق املشورة
وليست خاضعة للزمن وال منقادة باإلكراه .ألنه فينا ال يشء يكون
ً
ً
جاهزا ىلع الفور ،ألننا كنا يف وقت غري جاهزين .ثم تشاورنا أوال بشأن
ً
ً
وسلسا ،ولك
يشء ،ثم ننفذ ما جنريه ..لكن مع اهلل لك يشء يكون اكمال
األشياء حتققت فيه .وهو يدل ال إراديًا وال الإراديصا الاكئن أزيلًا ،اللوغوس
القدوس اهلل املولود منه ،لكن يف طبيعته السامية غري املوصوفة.
31
ً
وأخريا نذهب إىل أغسطينوس اذلي يقول بإن أفنوميوس ال يريد أن يؤمن أن
االبن مولود من طبيعة وجوهر اآلب ،بل باإلرادة ”وهو بهذا يزعم أن اإلرادة،
ُ
(اآلب) االبن ،اكنت عرضية بالنسبة هلل ،وذلك بشلك مشابه ملا
اليت ودل بها
ً
ً
حيدث فينا؛ ألننا أحيانا نريد شيئًا لم نكن نريده قبال ،كما لو أننا ال نفهم أن
31
األنكوراتس 5 -3 :52ترمجيت.
16
طبيعتنا متغرية بسبب هذه احلقيقة عينها ،وهو أمر حاشا نلا أن نؤمن أنه
حيدث يف اهلل“.
32
ثم يذكر أن:
أحد األشخاص 33قدم إجابة ذكية هلرطويق سأهل بمكر :هل اهلل ودل ابنه
بإرادته أم بغري إرادته ،حبيث إذا أجاب "بغري إرادته" يتبع هذا أكرث انلتائج
ً
عبثا ويه أن اهلل ال حيلة هل .ولكن إذا قال "بإرادته" فإنه يستنتج ىلع
الفور أنه بهذا يعن أن اللكمة هو االبن ال بالطبيعة بل باإلرادة .ولكن
حذرا ً
ً
جدا سأهل يف املقابل هل اهلل اآلب هو اهلل بإرادته
هذا الرجل لكونه
أم بغري إرادته ،حبيث إذا أجاب "بغري إرادته" سيتبع هذا ً
أيضا أن اهلل
سيكون بال حيلة ،وهذه محاقة عظيمة إذا صدقناها عن اهلل .لكن إذا قال
ً
"بإرادته" فإنه جييبه "ذللك فهو أيضا اهلل بإرادته وليس بطبيعته" .ماذا تبىق
ُ
بعد ذلك هلذا اهلرطويق إال أن يصمت ،وأن يرى نفسه وقد قيد بسلسلة ال
تنكرس بسبب سؤاهل هو؟
34
نستخلص من لك ما سبق أن آباء نيقية لم ينادوا بأن والدة االبن يه ضد
إرادة اآلب .لكن فقط عندما فصل اخلصوم اآلريوسيون بني الطبيعة
واإلرادة ،فإن اآلباء رفضوا أن تكون والدة االبن باإلرادة بهذا املعىن وبهذا
الفصل .لكن مىت حافظنا ىلع تالزم ووحدة الطبيعة واإلرادة ،فإنهم ال
ً
ً
حرجا يف أن يقولوا إن االبن مولود باإلرادة كما الطبيعة أيضا ،ألن
جيدون
االبن هو موضع مرسة اآلب ،وأن اآلب غري خاضع ألية رضورة أو حتمية أو
إراغم .ويف ضوء هذا جيب أن نفهم ما قاهل اآلباء املدافعني السابقني نليقية عن
32
33
ق أغسطينوس ،اثلالوث .15
ىلع األغلب يقصد ق غريغوريوس الزنيانزي ،انظر رسالة 148ألغسطينوس حيث يستشهد بالقديس أثناسيوس وشخص
يدىع غريغوريوس.
34
ق أغسطينوس ،عن اثلالوث 38 :20 :15ترمجيت.
17
والدة االبن باإلرادة ،خاصة وهم يكتبون يف خلفية معارضة الغنوصية وما
بها من انبثاقات أيونية حتدث حتميًا بالرضورة ،فاكن من ابلدييه بالنسبة هلم
ُّ
أن يؤكدوا ىلع تمتع اهلل اآلب باحلرية ،وعدم تصور خضوعه لرضورات
طبيعية حتمية.
ً
ومن هذا نفهم أن يف هذه انلقطة حتديدا لم حيدث انقطاع يف اتلقليد اآلبايئ
ّ
واملفصل .وهذا ال
مىت فهمنا املقصود من تعبري ”مولود باإلرادة“ بمعناه ادلقيق
ً
جيعل آريوس امتدادا آلباء ما قبل نيقية ألن املنظومة األريوسية خمتلفة
واملشككون يف العقيدة املسيحية يعرفون هذا ً
جيدا .وكذلك فالوالدة ال تعن
اتلدنوية subordinationismبالرضورة ،فالودل من جنس وادله 35.كما أن
العلية ال تعن أن يفقد االبن صفة ”الوجوب اذلايت“ .Aseityملاذا؟ ألننا
نقول إن هذه الوالدة تتم داخل جوهر اهلل األزيل واجب الوجود وليس خارجه.
ً
كما نقول إنها والدة أزيلة غري متوقفة ،وليست حدثا بدأ يف حلظة ما ثم
توقفت .هكذا يقول ق كريلس” :اذلي جترأ ىلع القول بإن اآلب توقف عن
ُ
أن يدل ،سقط يف جريمة جتديف ال حتتمل ،ألنه وضع الطبيعة اإلهلية يف ثالثة
مواقف متغرية ...الواحد :قبل الوالدة ،واثلاين :أثناء الوالدة ،واثلالث :بعد
الوالدة“ 36.كما يقول يوحنا ادلمشيق:
ال يدل اهلل مثلما يدل اإلنسان ،فبما أن اهلل مزنه عن الزمن ،وال بدء هل وال
ينفعل ،وال يسيل ،وال جسم هل ،وفريد وال نهاية هل ،باتلايل تكون والدته
بال زمن وبال بدء وال انفعال وال سيالن fluxوبدون عالقة .ووالدته اليت
ُ
ّ
تتحول ،وبال
ال تدرك ليس هلا بداية وال نهاية .ويه بال بدء ألنها ال
35حىت أن اإلمام ابن تيمية يرفض االختاذ adoptionismكما ترفضه املسيحية ً
أيضا ألنه يرى ”أن العباد ال يصلح أن
شيئا منهم بمزنلة الودل“ ،ويرفض الوالدة ً
يتخذ ً
ً
أيضا .ملاذا؟ ألنه يقول ”إن الودل يكون من جنس وادله ويكون نظريا هل“
(راجع كتاب ابن تيمية نقض املنطق ،تصحيح حممد حامد الفيق ،دار الكتب العلمية ،ص .)93
36
الكنوز يف اثلالوث ،ص .58
18
سيالن ألنها ال تنفعل وال جسمية ،ويه بال عالقة ألنها ال جسمية؛ وألن
اهلل واحد أحد وليس حباجة إىل آخر .ويه بال نهاية وال انقطاع ألنها
مزنهة عن ابلدء والزمن وانلهاية ،وإنما يه ً
دائما.
37
ُ
كذلك ال جيب أن حت َّمل فكرة العلية causationبفكرة اتلتابع الزمن ،ألننا
ً
نؤكد أن والدة االبن يه فوق الزمن وخارج الزمن وقبل خلق الزمن أيضا.
ً
حتما يف الزمن ،واملولود منه
”ألن اإلنسان بما أن هل بداية وجود فهو يدل
ً
ً
صائرا وخملوقا ،بينما اهلل اخلالق ال يدل يف الزمن ،وال االبن
يكون مثله
ً
ً
صائرا وخملوقا ،بل مثلما هو بال بداية وغري صائر (غري
املولود منه يكون
ً
حادث) ،هكذا أيضا اللكمة اذلي أىت من جوهر اآلب ،يكون بال بداية وغري
ً
38
حادث مثله مثل اآلب أيضا“.
37
38
املئة مقال يف اإليمان األرثوذكيس .8 :1
ق كريلس ،الكنوز يف اثلالوث ،املقالة ،5ص .57
19