1
الرسالة ()38
رسالة القديس باسليوس الكبري
إىل أخيه القديس غريغوريوس أسقف نيصص
بشأن الفرق بني اجلوهر οὐσίαواألقنوم ὑπόστασις
ترمجة وتقديم
اعدل زكري
2
مقدمة للمرتجم
نسبة وتاريخ كتابة الرسالة
هذه الرسالة اهلامة وجدت ضمن أعمال ق غريغوريوس انلييس وقد أرسلها
إىل أخيه القديس بطرس من سبسطية .ولكن بانلظر إىل مقارنة املخطوطات
واألسلوب اللغوي ،وبسبب اإلشارة إيلها ف جممع خلقيدونية باعتبارها رسالة
للقديس باسليوس (379 -330م) ،فقد عرفت أنها بلاسليوس .كتبت الرسالة
ف اعم 370 /369م .ف املقابل يقول بعض ادلراسني مؤخرا ومنهم خادل
أنطايلوس بأن هناك دالئل كثري تؤكد أن الاكتب هو غريغوريوس انلييس
وليس ق باسليوس.
1
حتليل مضمون الرسالة
يظهر من الفقرة ( )1من رسالة ق باسليوس أنه يهدف إىل عدم استخدام
لكميت جوهر (أوسيا) وأقنوم (هيبوستاسيس) كمرتادفات بنفس املعىن؛ ألننا
إذا اعتربنا اهلل أقنوما واحدا أبطلنا اثلالوث ،وإذا قلنا بثالثة جواهر أبطلنا
وحدانية اهلل .ذللك يرشح ق باسليوس ف الفقرة ( )2أن بعض األسماء (أو
املحموالت )predicatesتقال عن أكرث من موضوع ( ،)subjectsمثل لكمة
”إنسان“ اليت تعرب عن اإلنسانية بشلك اعم ،وال تنحرص ف فرد بعينه ،فبطرس
ليس أكرث ”إنسانية“ من يوحنا ،بل يشرتاكن الكهما ف الطبيعة اإلنسانية
املشرتكة .وهذا ما جيب أن يسىم باجلوهر ،وهو ما يقابل ”اجلوهر اثلاين“
( )secondary substanceحبسب مصطلحات أرسطو.
Cf. Fotc series, vol 13, Saint Basil Letters, vol 1 (1- 185), trans. Sisiter Agnes Clare Way,
1
with notes by Roy J. Deferrari, p 84. Cf. also Khaled Anatolios, Retrieving Nicaea, (e. edition).
3
ثم يقول إن بعض األسماء (أو املحموالت) تصف ف املقابل أفرادا بعينهم،
مثل بولس وسلوانس ..إلخ ،وهو ما جيب أن يسىم باألقنوم ،ويقابل ف
مصطلحات أرسطو” ،اجلوهر األول“ ( .)primary substanceبكلمات
أخرى يمكن اعتبار األوسيا مفهوما لكيا ( )universalينطبق ىلع كثريين،
بينما األقنوم مفهوما جزئيا ( )particularال ينطبق ىلع كثريين بل ىلع أفراد
بعينهم.
ولكن برغم أن ق باسليوس يسري باتلوازي مع املصطلحات األرسطية عن
اجلوهر األول واثلاين ،إال أنه ال يقصد أن يكون الالكم ىلع اهلل اثلالوث
القدوس متطابقا ف املعىن عندما نطبقه ىلع املخلوقات؛ فهو يدرك جيدا أن
األقانيم ف البرش ،برغم تشاركهم ف طبيعة مشرتكة ،إال أنهم منفصلون
ومتجزأون ومتفاوتون ف أشياء كثرية ،لكن اثلالوث القدوس هم جوهر واحد
بال انفصال وال افرتاق وال جتزئة .اثلالثة أقانيم من البرش هم three men
لكن األقانيم اثلالثة اإلهلية ليسوا 2.three godsوباتلايل فاألوسيا ف حالة
الالكم ىلع اهلل ال تقابل اجلوهر اثلاين عند أرسطو ،واذلي يأيت بمعىن انلوع /أو
اجلنس؛ ألن اهلل ليس هل جنس 3.فالقديس باسليوس يستخدم هذا اتلميزي
األرسطي لكنه يتجاوزه وال جيعله متطابقا ف حالة الالكم عن اهلل.
وهذا ما يؤكده ف الفقرة ( )5من الرسالة ،إذ يقول” :اقبل رشيح هذاكوسيلة
إيضاح وكظل للحقيقة وليس كحقيقة األمور ف ذاتها .ألنه من املستحيل أن
ما يالحظ ف األمثلة اتلوضيحية أن يكون قادرا ىلع أن يتطابق بشلك اكمل
2هذا ما سيعاجله بووضح ق غريغوريوس انلييس ف رساتله إىل أبالبيوس اليت حتمل عنوان ”ليسوا ثالثة آهلة“ ( On Not
.“Three Godsهذه الرسالة تعترب مكمال للرسالة 38اليت حنن بصددها اآلن .وهذا ربما يؤيد أن الرساتلني نلفس الاكتب،
أي غريغوريوس انلييس.
Diogenes Allen, Philosophy for Understanding Theology, John Knox Press, 1985, pp. 98-
3
100.
4
ىلع من هناك إقرار باالحتياج لوسيلة إيضاح هل“ .ومن ثم فبحسب ق
باسليوس ،فإن وحدة األفراد اذلين يتشاركون نفس الطبيعة (أو اجلوهر) يه ف
أفضل األحوال أمثولة analogyأو تشبيها يقاس عليه بشلك جزيئ وحدة
األقانيم اإلهلية.
4
يتحدث ق باسليوس عن نفس الفكرة ف رسالة هل برقم 236قائال:
االختالف بني ”اجلوهر“ و”األقنوم /الشخص“ هو نفس االختالف بني
العام واخلاص ،تماما مثل االختالف بني الاكئن اليح وهذا اإلنسان أو ذاك.
هلذا السبب حنن نعرتف جبوهر واحد ف األلوهة حبيث ال نعطي رشحا خمتلفا
تلعريف ”الوجود“ ،وإنما نعرتف بأقنوم اذلي هو فرد حبيث ال يشوش املفهوم
اخلاص باآلب واالبن والروح القدس ويتضح نلا .ألنه إذا لم نراع السمات
املحددة للك منهم ،مثل األبوة وابلنوة والقداسة ،بل نعرتف باهلل من املنظور
العام للوجود ،فمن املستحيل أن نقدم رشحا سليما إليماننا .ومن ثم من
الرضوري أن نضيف اخلاص إىل العام ،وباتلايل نقر بإيماننا :األلوهة مشرتكة،
واألبوة متفردة ،وبالربط بينهما البد أن نقول” :أؤمن باهلل اآلب“ .مرة
أخرى ف االعرتاف باالبن البد أن نفعل نفس اليشء ،أي نربط اخلاص
بالعام ونقول” :أؤمن باهلل االبن“ .وكذلك أيضا ف حالة الروح القدس ،إذ
نصيغ ألفاظنا باتفاق مع اإلعالن ،البد أن نقول” :أؤمن أيضا بالروح
القدس اإلليه“ ،حبيث ف اللك حتفظ لك من الوحدانية ف االعرتاف باأللوهة
الواحدة ويعرتف بتفرد األقانيم ف الفصل بني السمات املمزية (اتلخصيصية)
للك منهم .لكن من يقولون إن اجلوهر واألقنوم ( )hypostasisهما نفس
اليشء جمربون ىلع االعرتاف بأشخاص ( )prosopaخمتلفني .ويف جتنبهم
لالعرتاف بثالثة أقانيم ( )hypostaseisفلن يفلتوا من رش سابليوس.
5
وأيضا ف رسالة هل برقم 214يقول:
Ibid., p 99.
4
Saint Basil Letters, vol 2 (186- 368), Fotc 28, p 171.
5
5
وإذا اكن لزاما علينا أن نقول رأينا بإجياز سنقول هذا :أن اجلوهر (األوسيا)
ف عالقته باألقنوم (هيبوستاسيس) هو كمثل عالقة العام باخلاص .لك منا
يتشارك ف الوجود باملعىن العام للجوهر ،وهو كذا وكذا ،أو كذا وكذا من
خالهل صفاته اتلخصيصية .وهكذا هنا أيضا معىن اجلوهر مشرتك ،كما ف
لكمة ”صالح“ أو ”ألوهة“ ،أو أي يشء آخر يمكن تصوره ،لكن األقنوم/
الشخص يدرك ف اخلواص املمزية لألبوة أو ابلنوة أو القوة املقدسة.
6
هذا الرشح جنده عند ق كريلس (444 -376م) ف كتابه ”احلوار حول
اثلالوث“:
حنن نعرف اإلنسان بأنه ”يح وناطق وفاين“ وهذا هو اتلعريف املناسب هل،
وحنن نقول إن هذا يعرب عن جوهره ،وهذا اتلعريف ينطبق ىلع لك األفراد
فردا فردا ،وهنا جيد لك من توما ومرقس وبطرس وبولس ماكنهم الصحيح
حسب اعتقادي ،وهكذا حندد اجلوهر ولكننا ال حندد بعد ماهية األشخاص
اذلين نتلكم عنهم بشلك دقيق .فحينما نقول ”إنسان“ بشلك اعم فهو ليس
بطرس وال بولس ،وحينما نقول توما وبطرس فنحن ال خنرج عن حدود ما
نسميه باجلوهر الواحد ،وهذا ال يقلل من لك منهم ”كإنسان“ ،فقد أظهرناه
موجودا ف أقنومه اخلاص .إن اجلوهر ديلل ىلع انلوع ،أما األقنوم فهو يطلق
ىلع لك واحد ف ذاته ،دون أن ننىس أنه يشري أيضا إىل رشكة اجلوهر ،ولكن
7
دون أن خنلط بني العام واخلاص.
ويف رسالة أخرى برقم 125حياجج ق باسليوس بأن جممع نيقية اكن يدرك
الفرق بني املصطلحني .فلقد ورد احلرم اتلايل ف مقررات املجمع ”إذا قال أي
أحد أن االبن هو من جوهر أو أقنوم خمتلف ،فإن الكنيسة اجلامعة الرسويلة
حترمه“ .يقول ق باسليوس أن السابليني فهموا خطأ من هذا احلرم أن اللكمتني
Ibid., p 102.
6
7ق كريلس الكبري ،احلوار حول اثلالوث ،ترمجة د جوزيف موريس فلتس ،مؤسسة القديس أنطونيوس ،الطبعة األوىل ،2014ص
.33
6
بمعىن واحد ،لكن حبسب ق باسليوس ،احلرم ف الواقع لم يقل إن املصطلحني
هما نفس اليشء ،ويقول اآليت:
إذا اكن املصطلحان يشريان إىل نفس املعىن بعينه ،فماذا اكنت احلاجة
ذلكرهما بشلك منفصل؟ لكن من الواضح أنه ألن ابلعض أنكر أن االبن
من جوهر (أوسيا) اآلب ،وآخرون قالوا ليس من جوهر من خمتلف بل من
أقنوم آخر ،ذللك أدانوا الك املوقفني كغريبني عن رأي الكنيسة .ألنه حني
أعلن اآلباء عن رأيهم ،قالوا إن االبن من جوهر (أوسيا) اآلب ،ولم يضيفوا
”من األقنوم“ .وذللك فاجلملة السابقة صيغت كرفض لرأي مغلوط ،بينما
األخرية تتضمن إعالن عقيدة اخلالص .وذللك من الرضوري أن نعرتف أن
االبن من نفس اجلوهر اذلي لآلب ،كما هو مكتوب ،ونعرتف أن اآلب ف
أقنومه اخلاص ،واالبن ف أقنومه اخلاص ،والروح القدس ف أقنومه اخلاص،
كما أعلن اآلباء بوضوح .ألنهم بينوا هذا بما يكيف وبوضوح حني قالوا
”نور من نور“ ،أي انلور اذلي ودل وانلور اآلخر اذلي ودل .غري أنه نور ونور،
حبيث إن معىن اجلوهر واحد ونفسه.
8
لكن ق باسليوس اكن يتشكك نواع ما ف مصطلح برسوبون ،ألنه يرى أن
سابليوس اكن يقر بوجود ثالثة برسوبون (شخوص) ف اهلل ،لكن هذا
الربسبون اكن يفتقر إىل الواقع الفعيل ،وإنما هو حبسب سابليوس ليس أكرث من
قناع أو مظهر .يقول هذا املعىن ف رسالة هل برقم (” :)210ف الواقع ليس اكفيا
أن تعدد االختالفات بني األقانيم ،بل من الرضوري أن تقر بأن لك شخص
(برسوبون) يوجد ف أقنوم (هيبوستاسيس) حقييق“.
9
جدير باذلكر أن بعض ادلارسني يقولون إن اتلميزي بني اجلوهر واألقنوم قد
بدأ ف األسكندرية قبل أن يبدأ عند اآلباء الكبادوك .ينقل األب مىت املسكني
عن العالم برستيج Prestigeأن العالمة أورجيانوس هو أول من بدأ يمزي املعىن
Saint Basil Letters, vol 1 (1- 185), Fotc 13, pp. 257- 258.
8
Saint Basil Letters, vol 2 (186- 368), Fotc 28, p 93
9
7
ف العالم لكه 10.واكن هذا راسخا ف الالهوت السكندري .ويفيدنا بأن ق
أثناسيوس اكن ف كتاباته املوجهة لألريوسيني وللغرب يقول برتادف املعىن ،ألن
األريوسيني استغلوا اتلمايز بني األقانيم بشلك سيئ يلخرج عن مفهوم اجلوهر
الواحد” .هكذا بسبب خبث األريوسيني أحجم أثناسيوس ف كتاباته ادلفاعية
ضد األريوسيني عن ذكر اهليبوستاسيس ،وإن ذكره فهو يردفه مبارشة باألوسيا
أي اجلوهر ،حىت ال يعطي فرصة لألريوسيني إلساءة استخدام اهليبوستاسيس
ف غري معناه األرثوذكيس“ 11.وذللك يقول العالم برستيج أن اعدة ق أثناسيوس
أن يركز ىلع انلقاط ذات األهمية اجلوهرية وأن يتجنب اإلشاكيلات املتعلقة
باملصطلحات.
12
كذلك جدير باذلكر أنه حني حدث خالف ف أنطاكية حول هذين
املصطلحني ،يذكر ق أثناسيوس ف ”اخلطاب املجميع إىل األنطاكيني“ أنه
أجرى حتقيقا ،هل من يستخدمون تعبري ”ثالثة هيبوستاسات“ يعنون -مثل
األريوسيني -بأقانيم منفصلة ومنقسمة وغريبة عن بعضها ابلعض أو من
جواهر خمتلفة ،أو يقصدون أنهم ثالثة مبادئ /مصادر ،فأنكر هؤالء هذه
املعاين املغلوطة.
ثم رجع فأجرى حتقيقيا مع من يقولون بهيبوستاس واحد ،وهل يؤمنون
باعتقاد سابليوس .فأنكروا ذلك وأكدوا أنهم يقولون بوجود هيبوستاس واحد
ألن االبن من جوهر اآلب وبسبب تطابق الطبيعة بينهما ،وأنه ال توجد طبيعة
أخرى لالبن والروح القدس ختتلف عن طبيعة اآلب.
13
10األب مىت املسكني ،القديس أثناسيوس :حقبة مضيئة ف تاريخ مرص ،الطبعة اخلامسة ،دير أيب مقار ،ص .422
11نفس املرجع السابق ،ص .424
nd
G. L. Prestige, God in Patristic Thought, 2 edition, p 180.
12
13راجع ابلابا أثناسيوس ،اخلطاب املجميع إىل األنطاكيني (طومس إىل األنطاكيني) ،ترمجة مينا فرج أمني ،كما وردت ف جملة
مدرسة األسكندرية عدد ،33أكتوبر ،2022ص .21
8
ولكن بمساهمة ثمينة من اآلباء الكبادوك تم االتفاق ف الكنيسة اجلامعة
لكها-رشقا وغربا -ىلع أن اهلل جوهر واحد ف ثالثة أقانيم.
اعدل زكري
يونيو2023 ،م
9
نص الرسالة
14
( ) 1طاملا أن الكثريين ف الوقت احلايل ممن يتعرضون تلعايلم متعلقة برس
اثلالوث ال يمزيون بني ”اجلوهر“ كمصطلح اعم ،ولكمة ”أقنوم“ ،فإنهم يسقطون
ف نفس االفرتاض ظانني بأنه لن حيدث أي فرق سواء قالوا ”جوهر“ أو
”أقنوم“ .وهلذا السبب أيضا فإن ابلعض ممن يقبلون مثل هذه اتلعبريات بدون
فحص يكتفون باتلحدث عن ”أقنوم واحد“ ف اهلل ،مثلما يقولون ”جوهر
واحد“ .وىلع انلقيض من يقرون بثالثة أقانيم يعتقدون أنهم البد وبناء ىلع
هذا اإلقرار أن ينادوا أيضا بتقسيم اجلواهر إىل نفس العدد .ذللك حىت ال تنقاد
إىل قبول ضالالت مماثلة كتبت رشحا قصريا هلذا كتذكرة لك .ولإلجياز فإن
معىن هذه اللكمات هو اكتلايل.
( ) 2بعض األسماء اليت تسيم أشياء متعددة ،وأشياء خمتلفة ف العدد 15،هلا
بشلك أو بآخر داللة اعمة ،مثل اسم ”إنسان“ .ألنه عند قول لكمة ”إنسان“
فإن املرء بواسطة االسم يشري إىل طبيعة مشرتكة ،لكنه ال يصف بهذه اللكمة
إنسانا حمددا ،إنسانا معروفا بهذا االسم بشلك خاص .ألن ”اإلنسان“ ليس أكرث
ف بطرس من أندراوس أو يوحنا أو يعقوب .وذللك فالصفة املشرتكة للمشار
إيله ،إذ إنها تشري باملثل إىل لك اذلين يندرجون حتت نفس االسم ،حتتاج إىل
توصيف خاص من خالهل نتعرف ليس ىلع اإلنسان بشلك اعم ،لكن ىلع
بطرس أو يوحنا باتلحديد.
14ترمجت هذه الرسالة عن انلص اإلجنلزيي الوارد ف سلسلة Fathers of the Churchجمدل Saint Basil Letters ،13
) (1- 185ترمجة Sisiter Agnes Clare Wayوحوايش Roy J. Deferrariوالصفحات من .96 -84وباملقارنة مع
الرتمجة الواردة ف سلسلة NPNFاملجدل .8وباملقارنة أيضا برتمجة عربية أخرى قام بها ابلاحث اإللكرييكي األستاذ مينا
سليمان بمعرفة مركز انلور احلقييق لدلراسات القبطية األرثوذكسية ،أبريل 2018م.
15
حبسب ترمجة ” NPNFمن بني لك األسماء ،معىن بعضها أكرث عمومية ،خاصة اليت تكون حمموالت predicated
ملوضواعت subjectsمتعددة وخمتلفة عدديا ،مثلما ف حالة إنسان“.
10
أما بعض األسماء األخرى هلا معىن متخصص أكرث يراىع من خالهل ال
الطبيعة املشرتكة ف اليشء املشار إيله بل إىل صفته الفردية ،وهذه السمة املمزية
ال يشاركها مع أشياء أخرى هلا نفس الطبيعة ،مثلما نقول :بولس وتيموثاوس.
ألن هذه اللفظة اآلن ال تشري إىل الطبيعة املشرتكة ،وإنما بمفارقة ادلاللة
اجلمعية ،فإنها تبني من خالل األسماء املستخدمة معىن ألشياء حمددة بعينها.
ومن ثم ف حالة شيئني أو أكرث هلم نفس الطبيعة ،مثل بولس وسلوانس
وتيموثاوس ،عندما نبحث عن اسم جلوهر اإلنسان ،فلن يعطى املرء لكمة
واحدة للجوهر ف حالة بولس ولكمة أخرى ف حالة سلوانس ،وأخرى ف حالة
تيموثاوس .وإنما فأي لكمات تعرب عن جوهر بولس فإنها ستنطبق بشلك صحيح
ىلع اآلخرين .وكذلك لك من يسىم بنفس االسم من جهة اجلوهر هم متساوون
ف اجلوهر ὁμοουσιοιبعضهم ابلعض 16.ولكن بعد أن يتعلم املرء السمات
املشرتكة فإنه حني يتوجه بنظره إىل السمات الفردية (اتلخصيصية) واليت من
خالهلا يتمايز أحدهم عن اآلخر ،فلن يعود االسم املعرف للك منهم يتفق من
لك اجلوانب مع تعريف اآلخرين ،حىت وإن كنا ف بعض انلقاط املحددة جند
هلا طابع مشرتك.
( )3ومن ثم هذا هو رشحنا :ما يوصف بمعىن حمدد يشار إيله بكلمة
شخص (أو أقنوم -هيبوستاسيس) .ألنه بسبب عدم حتديد مصطلح ”إنسان“
فمن يقول ”إنسان“ فقد أدخل من خالل سماعنا فكرة اغمضة ،حبيث إنه برغم
استعالن الطبيعة من خالل االسم ،فإن ما يتقوم ف هذه الطبيعة وما يشار إيله
بشلك متخصص لم يرش إيله .ىلع اجلانب اآلخر ،من يقول ”بولس“ فقد بني
الطبيعة املتقومة من اليشء املشار إيله باالسم .وذللك فهذا هو ”الشخص“
(هيبوستاسيس) ،وليس هو الفكرة غري املحددة للجوهر (األوسيا) ،اليت ال
16حبسب ترمجة ” NPNFلك ما يوصف بنفس تعريف املاهية أو اجلوهر هلم نفس املاهية أو اجلوهر .“ὁμοουσιοι
11
ختلق صورة حمددة بسبب عمومية دالتلها ،بل هو اذلي من خالل السمات
املحددة الواضحة فيه ،حيد وخيصص ما هو اعم وغري حمدد ف يشء ما بعينه،
كما حيدث كثريا ف مواضع كثرية ف الكتاب املقدس وخاصة ف سفر أيوب .ف
بداية قصته يستخدم املصطلح العام ”إنسان“ ،ثم ىلع الفور حتدد هذه الفكرة
بما هو خاص بإضافة ”هذا“ 17.ومع ذلك بالنسبة لوصف اجلوهر ال يقال يشء،
ألنه ال يساهم بيشء ف املوضوع املقرتح للحديث .لكن الالكم عن ”هذا“
الرجل باذلات يتمزي بسمات حمددة ،مثل احلالة ،وصفات الشخصية ،والسمات
اخلارجية اليت تعمل ىلع تميزيه وفصله عن الفكرة العامة 18.وبناء ىلع ذلك
بواسطة لك هذه الوسائل :أي االسم ،واملاكن ،والصفات انلفسية اخلاصة،
والسمات اخلارجية اليت ترى فيه ،فإنه يتحقق وصف واضح لإلنسان اذلي نقرأ
عنه ف القصة .ىلع اجلانب اآلخر ،لو اكنت القصة تقدم وصفا ملعىن اجلوهر ،ملا
ورد أي ذكر لألمور السابق ذكرها ف رشح الطبيعة .بل اكن الوصف املستخدم
سيبىق نفسه كما ف حالة بدلد الشويح وصوفر انلعماين ولك واحد من الرجال
املشار إيلهم ف القصة.
19
وبناء ىلع هذا ،لن ختطئ إذا نقلت للعقائد اإلهلية هذا املبدأ املتعلق
باتلميزي بني اجلوهر واألقنوم اذلي أدركته من جهة األمور البرشية .أيا اكن ما
يويح إيله حكمك ،ومهما اكن ما يشري إيله من جهة جوهر اآلب (ألنه من
املستحيل أن تفرض أي مفهوم حمدد ىلع اهلل غري املادي بسبب اقتناعنا بأنه
فوق لك مفهوم) ،فهذا ستتمسك به من جهة االبن وباملثل من جهة الروح
القدس .ألن مصطلح ”كينونة غري خملوقة وغري مدركة“ هو نفسه باملثل
17ف أي 1 :1يقول اكن ”إنسان“ ف أرض عوص اسمه أيوب ،ويف انلصف اآلخر من اآلية يقول :واكن ”هذا“ اإلنسان اكمال
ومستقيما .يراىع أن ترمجة فانديك ترتجم ”إنسان“ بكلمة ”رجل“.
18الفكرة العامة هنا يه اإلنسان أو اإلنسانية بمفهومها الواسع.
19قارن أي .11 :2
12
وبمعىن متطابق من جهة اآلب واالبن والروح القدس .ألن أحدهم ليس أكرث
من جهة عدم إدراكه وعدم خملوقيته بينما اآلخر أقل .لكن طاملا أنه من
الرضوري ف حالة اثلالوث أن حتافظ ىلع تمايز واضح (لألقانيم) بواسطة
السمات اتلخصيصية ،فإننا لن نضم ف حتديد السمات اتلخصيصية ما يالحظ
أنه مشرتك ،مثل الصفة اليت أذكرها اآلن من جهة كونه غري خملوق أو من جهة
كونه فوق لك إدراك ،أو ما شابه .لكن سنبحث فقط عن السمات اليت سيتمزي
بها مفهوم لك منهم بوضوح ودقة عن املفهوم اذلي نتحصله عندما نتأملهم
معا.
( ) 4ذللك يبدو يل أنه من اجليد أن أتابع انلقاش ىلع هذا انلحو .لك يشء
صالح يأيت إيلنا من القوة اإلهلية نقول إنه من انلعمة اليت تعمل لك يشء ف اللك
كما يقول الرسول” :لكن هذه لكها يعملها الروح الواحد بعينه ،قاسما للك
واحد بمفرده ،كما يشاء“ (1كو .)11 :12كذلك عندما نتساءل هل الرباكت
الفائضة اليت تعطى للمستحقني مصدرها ف الروح القدس فقط ،مرة أخرى
يقودنا الكتاب املقدس حنو االعتقاد بأن االبن الوحيد هو مصدر وعلة فيض
الرباكت اليت جيلبها فينا الروح القدس .ألن الكتاب املقدس يعلمنا أن لك يشء
به اكن 20ويقوم فيه 21.كذلك عندما نرتيق إىل هذا الفكر ،مرة أخرى باالنقياد
باإلرشاد اإلليه املوىح به ،فإننا نتعلم إنه من خالل هذه القوة فإن لك يشء
يصري موجودا من الالوجود ،لكن هذا ال يتم بهذه القوة بدون مصدر
.ἀνάρχωςألن هناك قوة قائمة بدون والدة وبدون بداية ،ويه مبدأ ملبدأ لك
يشء موجود .ألن االبن هو من اآلب ،ومن خالهل وجد لك يشء ،ومعه الروح
القدس متصل دائما بال انفصال .ف الواقع ليس ممكنا ألحد إذا لم يسترن مسبقا
20قارن يو .3 :1
21قارن كو .17 :1
13
بالروح القدس أن يصل إىل مفهوم االبن .ومن ثم ألن الروح القدس اذلي
ينسكب منه لك فيض اإلحسانات ىلع املخلوقات هو مرتبط باالبن اذلي يدرك
معه بال انفصال ،ووجوده معتمد ىلع اآلب باعتباره املبدأ ،واذلي منه أيضا
ينبثق ،فهذا يكون هل كصفة ممزية تلفرد أقنومه ،أقصد أنه يعرف بعد االبن،
22
ومع االبن ،وأنه متقوم من اآلب.
ثم االبن اذلي من خالل ذاته وبذاته يعلن الروح القدس اذلي يصدر عن
اآلب ،واذلي وحده يسطع اكبن وحيد من انلور غري املولود ،وال يشرتك مع اآلب
أو مع الروح القدس ف أي من الصفات اتلخصيصية اليت يعرف بها االبن،
لكنه وحده يدرك بالصفات اليت ذكرناها للتو .كذلك فاهلل العايل هل وحده صفة
خاصة ألقنومه يعرف بها ،أعين أنه اآلب ،وال يتقوم من أي مبدأ آخر .ومرة
أخرى من خالل هذه الصفة فهو يعرف بشلك متخصص .وبناء ىلع هذا نقول
إنه ف عمومية اجلوهر نتمسك بالصفات اتلخصيصية اليت تالحظ ف اثلالوث
اليت من خالهلا يقدم تفرد األقانيم كما تسلمنا ف اإليمان كصفات خمتلفة وغري
مشرتكة ،ألن لك أقنوم يدرك بشلك منفصل بصفاته املمزية هل .ونتيجة ذللك
من خالل الصفات اليت ذكرت للتو ،فإننا حنصل ىلع تمايز األقانيم ،لكن
بالنسبة لصفة الالنهائية ،أو عدم قابلية اإلدراك ،أو كونهم غري خملوقني ،أو
كونهم ال حيدون ف ماكن ،ويف لك هذه الصفات األخرى ،فال يوجد فرق ف
الطبيعة املاحنة للحياة -أعين ف حالة اآلب وحالة االبن وحالة الروح القدس،
ولكن توجد رشكة ثابتة وغري منقطعة فيهم.
ومن خالل أي أفاكر يتفهم بها املرء عظمة أي من األقانيم اليت نؤمن أنها
ف اثلالوث املبارك ،فمن خالل نفس األفاكر سيتقدم بدقة ف نفس الطريق،
ناظرا املجد ف اآلب ويف االبن ويف الروح القدس ،ألن العقل ال يسري ف فجوة
22قارن يو .26 :15
14
بني اآلب واالبن والروح القدس 23.ألنه ال يوجد يشء يقحم نفسه بني هذه
األقانيم ،وال يشء يتقوم خبالف الطبيعة اإلهلية يقدر أن يفصلها عن ذاتها من
خالل إدخال يشء ال ينتيم إيلها ،وال يوجد فراغ ناتج عن أي مساحة تفتقر
ألقنوم ،وجتعل تناغم اجلوهر اإلليه ينشق ،ممزقة اتلماسك بإدخال هذا الفراغ.
لكن لك من يفهم اآلب فقد فهمه هو ف ذاته ،وقد ضم االبن أيضا ف املفهوم.
ومن قبل االبن فلم يفصل الروح القدس عن االبن ،بل بتوال حبسب
الرتتيب 24،وباحتاد حبسب الطبيعة ،فقد تصور نلفسه عقيدته ،اليت يه مزيج
ف نفس الوقت من األقانيم اثلالثة .ومن ذكر الروح القدس فقط فقد قبل معه
بهذا االعرتاف من يصدر عنه الروح القدس .وإذ أنه روح املسيح 25ومن اهلل
كما يقول بولس ،فكما أن من يمسك أحد طريف سلسلة فإنه يسحب معه
الطرف اآلخر أيضا ،هكذا من جيتذب الروح القدس كما يقول انليب 26،جيتذب
من خالهل معه الك من االبن واآلب.
وإذا فهم املرء االبن حقا فإنه سيمسك به من الك اجلانبني ،من ناحية
سيحرض أبيه معه ،ومن الطرف اآلخر روحه .ألنه لن يكون ممكنا ملن يوجد
أزيلا ف اآلب أن يقطع عن اآلب ،وال ملن يعمل لك يشء ف الروح القدس أن
ينفصل عن روحه .باملثل من يستقبل اآلب فهو يقبل فعليا معه الك من االبن
والروح القدس .ألنه من املستحيل بأي حال من األحوال أن نفكر ف انفاكك
أو تقسيم ،حبيث يعترب االبن منعزال عن اآلب ،أو الروح القدس منفصال عن
االبن .وإنما يوجد بينهم احتاد وتمايز غري معرب عنهما وغري مدركني ،ألنه ال
23ف هذا الشأن يقول ق باسليوس أيضا” :فالرشكة بني اآلب واالبن تعلن كرشكة أزيلة ،بانلظر إىل أن فهمنا يتقدم من االبن
إىل اآلب بدون املرور عرب فراغ ،ويربط االبن باآلب بدون أي فاصل (زمين) بينهما .ألنه ال يفصل االبن عن أبيه أي وسيط“
(ضد إفنوميوس ،12 :2ترمجة اعدل زكري ،نسخة إلكرتونية).
24قارن ق باسليوس ،ضد إفنوميوس .2 :3
25قارن رو 9 :8؛ 1كو .12 :2
26قارن مز 131 :118سبعينية” ،فتحت فيم فاجتذبت روحا“.
15
اختالف األقانيم يفصم تماسك طبيعتهم ،وال صفة جوهرهم املشرتكة تبطل
السمة اخلاصة لصفاتهم اتلخصيصية .لكن ال تتحري إذا قلنا إن نفس اليشء
متصل ومنفصل وإذا تصورنا -كما ف لغز -شيئا غريبا ومدهشا أيضا ،أعين
انفصاال متحدا واحتادا منفصال .ومع ذلك إذا أصغ املرء إىل الرشح بال
مشاكسة وبال غطرسة ،فمن املمكن أن جيد مثل هذه احلالة ف األشياء اليت
تدرك.
( )5اقبل رشيح هذاكوسيلة إيضاح وكظل للحقيقة وليس كحقيقة األمور
ف ذاتها .ألنه من املستحيل أن ما يالحظ ف األمثلة اتلوضيحية أن يكون
قادرا ىلع أن يتطابق بشلك اكمل ىلع من هناك إقرار باالحتياج لوسيلة إيضاح
هل .وباتلايل ملاذا نقول أن ما هو منفصل ويف نفس الوقت متحد يستنتج بواسطة
أمثولة analogyمن األشياء اليت تظهر حلواسنا؟ ف الربيع ،ف مرات كثرية
كنت تنظر ملعان القوس ف السحب -أعين القوس اذلي اصطلح ىلع تسميته
”قوس قزح“ .املختربون ف هذه األمور يقولون إنه يتشلك من حني آلخر عندما
تمزتج بعض الرطوبة مع اهلواء .فقوة الريح تضغط األخبرة الرطبة والكثيفة اليت
أصبحت بالفعل غيوما وحتوهلا إىل مطر .ويقولون إن قوس قزح يتشلك بهذه
الطريقة :عندما يتسلل شعاع الشمس بزاوية مائلة خالل كتلة السحب
املنضغطة واملعتمة فإنه يثبت دائرته رأسيا ىلع بعض السحب ،فينتج عن ذلك
إن جاز اتلعبري احنناء ما وارتداد للضوء ىلع ذاته ،ألن ملعان الضوء يرتد ف
االجتاه املعاكس من اجلزئيات الرطبة والالمعة .ألنه إذ أن هذه طبيعة الومضات
الشبيهة باللهب ،إذا سقطت ىلع أي سطح أملس ،أنها تنعكس ثانية ىلع
نفسها ،وألن شلك الشمس انلاتج بواسطة الشعاع ىلع اجلزيء الرطب
واألملس للهواء هو شلك دائري ،حينئذ فإن شلك ادلائرة الشمسية يتحدد
بالرضورة باللمعان املنعكس ف اهلواء املبطن للسحابة.
16
وباتلايل يصبح هذا اللمعان متصال مع نفسه ومتقسما .ألنه إذ يتكون من
األلوان واألشاكل الكثرية فهو ممزتج بشلك ال يدرك مع اللونيات املتعددة
للصبغة ،إذ خيطف من عيوننا دون أن ندري نقطة اتصال األلوان املختلفة مع
بعضها ابلعض .نتيجة ذلك ال يمكن رصد املسافة اليت تمزج وتفصل ألوان
األخرض املائل إىل الزرقة ولون اللهيب ،أو لون اللهيب واألرجواين ،أو األرجواين
والكهرماين .ألنه حني ترى أشعة لك األلوان ف نفس الوقت فيه متمايزة ،ومع
ذلك باحتجاب نقاط اتصاهلا فيما بينها ،فإنها أيضا تفلت من مراقبتنا ،حبيث
من املستحيل أن نكتشف إىل أي مدى يمتد اللون األمحر أو األخرض من
اللمعان ،ومن أي نقطة ال يعود كما اكن عليه حني ينظر إيله ف األجزاء
املتمايزة.
وبناء ىلع ذلك كما ف املثال اتلوضييح حنن نمزي بوضوح األلوان املختلفة،
ويف نفس الوقت ال نستطيع أن نرصد بانلظر خطوطا فاصلة بني لك لون وآخر،
تأملوا -أنا أرجو ذلك -أنه من املمكن أن نستخلص استنتاجات تتعلق
بالعقائد اإلهلية ،لنستدل عقليا بأن الصفات اتلخصيصية لألقانيم مثل أي لون
من األلوان الرباقة اليت تظهر ف قوس قزح ،تومض ف لك أقنوم من هذه األقانيم
اليت نؤمن أنها ف اثلالوث القدوس ،لكن ال وجود الختالف يالحظ ف السمة
املمزية لطبيعة الواحد باملقارنة مع اآلخر .ومع ذلك ف اخلاصية املشرتكة
للجوهر تسطع الصفات اتلخصيصية املمزية للك أقنوم .ألنه حىت ف التشبيه
اتلوضييح اكن هناك جوهر واحد أومض ذلك انلور املتعدد األلوان ،أي اللون
اذلي انعكس من خالل الشعاع الشميس ،لكن ملعان القوس اذلي ظهر اكن
متعدد األنواع .العقل أيضا يعلمنا من خالل اليشء املخلوق أال نرتبك ف
17
انلقاشات عن العقيدة عندما نصاب بادلوار أمام قبول املوضواعت اليت تناقش،
ف حالة صادفنا حقائق صعبة الفهم.
27
ألنه كما هو احلال ف تلك األشياء اليت ترى بالعيون ،تبدو اخلربة أفضل من
أي نظرية ف اتلعليل ،هكذا أيضا ف حالة العقائد اليت تفوق إدراكنا ،فاإليمان
أقوى من الفهم املبارش من خالل االستدالل العقيل ،ألن اإليمان يعلم ما هو
منفصل ف األقنوم وما هو متحد ف اجلوهر أيضا .وذللك طاملا أن نقاشنا قد
راىع من ناحية ما هو مشرتك بني أقانيم اثلالوث املبارك ،ومن ناحية أخرى ما
هو ممزي للك أقنوم ،جيوز نلا أن نقول إن اجلوهر صفة مشرتكة ،لكن األقنوم هو
اخلاصية املخصصة للك واحد منهم.
( )6غري أن ابلعض قد يظن أن عقيدة األقنوم كما رشحت ال تتفق مع
الفكر اذلي عرب عنه ف كتابات الرسول (بولس) ،واليت يقول فيها بشأن الرب
أنه ”بهاء جمده ،ورسم أقنومه ( “ὑποστάσεωςعب .)3 :1ألننا إذا رشحنا أن
”األقنوم“ هو اجتماع الصفات اتلخصيصية ف لك عضو من أعضاء اثلالوث،
واعرتفنا كما ف حالة اآلب ،أن ما يالحظ من طبيعة ختصيصية (تفريدية) هو
يشء يعرف هو فقط من خالهل ،وىلع نفس املنوال نتمسك بعقيدة مماثلة بشأن
االبن الوحيد ،فكيف ينسب الكتاب املقدس ف هذا انلص مصطلح ”أقنوم“
لآلب وحده ،ويقول إن االبن هو صورة ”أقنومه“ ،وال يتمزي بأقنومه اخلاص،
بل بالصفة اتلخصيصية لآلب؟ ألنه إذا اكن األقنوم هو العالمة املمزية لوجود
لك عضو ،ونعرتف أيضا أن صفة ”غري املولود“ خمصصة لآلب ،لكن االبن قد
تشلك بالصفات املتخصصة لآلب ،فبناء ىلع هذه احلالة لم يعد يتبىق لآلب كما
27حىت إذا أثبت العلم احلديث ورشح كيفية تكون قوس قزح بطريقة أوضح من اليت يرسدها ق باسليوس ،فهو يتحدث ف
حدود املعارف العلمية املتاحة ف زمانه .لكن املبدأ اذلي يقوهل هو أن ما يتعذر إدراكه ف اإلهليات يمكن أن جيد هل تشبيهات
وتوازيات فيما يتعذر إدراكه ف اتلفاصيل العويصة لعاملنا املنظور .فال ينبيغ أن نرتبك ف أي من ادلائرتني حينما نصل إىل أقىص
حدود فهمنا .نستطيع أن نثق ف اهلل املعلن ف اثلالوث حىت وإن كنا غري قادرين ىلع حتليله أو تربيره.
18
يبدو أن يدىع حرصيا ”غري املولود“ بمعىن خاص به وحده ،إذا اكن وجود االبن
الوحيد يتمزي باخلاصية املمزية لآلب.
( )7ولكن يمكن أن نقول هذا :إن اتلعبري هنا حيقق ف هذا انلص غرضا
آخر للرسول (بولس) ،وإذ يتطلع حنو هذا اهلدف فإنه يستخدم هذه اللكمات:
”بهاء جمده ،ورسم أقنومه“ .وباتلايل إذا تأمل املرء بعناية هذا انلص ،فلن جيد
أنه يتعارض مع الالكم اذلي قلناه حنن ،وإنما يدعم املعىن اخلاص بفكرة معينة
وحمددة .ألن الكم الرسول ال يسهب ف كيفية تمايز األقانيم عن بعضها ابلعض
بواسطة الصفات الظاهرة فيهم ،لكنه يتحدث عن كيف تفهم ابلنوة احلقيقية،
والعالقة احلميمة غري القابلة لالنفصال بني االبن مع اآلب .ألنه لم يقل ”اذلي
هو جمد اآلب“ ،برغم أن هذه يه احلقيقة ،وإنما إذ أغفل هذا ألن هذا معرتف
به بالفعل ،فليك يعلمنا أال نتأمل صورة واحدة للمجد ف اآلب وأخرى ف االبن،
فهو حيدد جمد االبن الوحيد بكونه ”بهاء جمد اآلب“ مؤكدا من التشبيه
اتلوضييح للنور أن نفهم ارتباطا ال ينحل لالبن ف فكرتنا عن اآلب .ألنه كما
أن ابلهاء هو من اللهب ،وليس شعااع آتيا بعد اللهب ،لكن ف نفس الوقت
اذلي يشعل فيه اللهب فإن انلور يسطع أيضا ،كذلك فإن (الرسول) أراد أن
نفكر ف االبن ىلع أنه من اآلب ،وأن االبن الوحيد ال ينفصل بفاصل ماكين عن
وجود اآلب ،بل أراد أن يفهم دائما أن اذلي من املبدأ (االبن) هو مع هذا املبدأ
(اآلب).
وذللك ىلع نفس املنوال كما لو اكن يرشح الفكرة اليت عرضناها سابقا
يقول” :رسم أقنومه“ ،وبذلك يرشدنا بواسطة تشبيهات توضيحية تنتيم إىل
اجلسد إىل تصور غري املنظور .ألنه بالرغم أن اجلسم يوجد بكامله ف الصورة،
هناك معىن ”للصورة“ وآخر ”للجسم“ ،وال أحد يقدم تعريفا ألي منهما
سيطبق تعريف أحدهما ىلع اآلخر .ومع ذلك إذا اكن بالعقل يمكنك أن تفصل
19
الصورة عن اجلسم ،فالطبيعة ال تسمح بهذا الفصل ،لكننا نفكر ف الواحد
متحدا باآلخر .وهكذا يفكر الرسول (بولس) ،فربغم أن عقيدة اإليمان تعلم
بأن الفرق بني األقانيم غري خمتلط ومتمايز ،إال أنه من الرضوري أن يقدم من
خالل الكمه اذلي اقتبسانه للتو ،االتصال الوثيق واالحتاد الطبييع -إن جاز
اتلعبري -بني االبن الوحيد واآلب ،ليس ألن االبن الوحيد ال يوجد ف أقنوم ،بل
ألنه ال يسمح بأي مساحة فاصلة ف وحدته مع اآلب.
وبناء ىلع ذلك من نظر بعناية إىل صورة االبن الوحيد من خالل عيين نفسه،
فإنه يصل أيضا لفهم ”أقنوم“ اآلب ،غري أن اتلفرد اذلي يالحظ فيهما ال
يمكن تبادهل وال يمكن مزجه حبيث نديع أن املولودية صفة اآلب
والالمولودية صفة االبن ،لكن ف ضوء ذلك إذا فصلنا الواحد عن اآلخر ،وهو
أمر مستحيل ،فنحن ندرك اآلخر بذاته وحده .ألنه من املستحيل عندما نسيم
االبن أال نفكر أيضا ف اآلب ،ألن هذا اللقب يشري طبيعيا إىل اآلب أيضا.
( )8وذللك طاملا أن من رأى االبن فقد رأى اآلب أيضا كما يقول الرب ف
األناجيل ،فعىل هذا األساس يؤكد الرسول ىلع أن االبن الوحيد هو ”صورة
28
أقنوم“ اآلب .وليك تتضح الفكرة أكرث سندمج ف نقاشنا لكمات الرسول اليت
يقول فيها إن االبن هو ”صورة اهلل غري المنظور“ (كو ،)15 :1ومرة أخرى
”صورة جودته“ (حك ،)26 :7ليس ألن الصورة ختتلف عن األصل من جهة
معىن الالمنظورية والصالح (اجلود) ،لكن ليك يتبني أنه مطابق لألصل برغم
أنه يشء آخر.
ألن معىن لكمة ”صورة“ لن يبىق إذا لم يكن مماثال تماما وواضحا تماما
من لك اجلوانب مثل األصل .وذللك من املؤكد أن من نظر مجال الصورة يصل
28قارن يو .9 :14
20
تصور ف عقله ”صورة“ االبن إن جاز اتلعبري ،فإنه
إىل إدراك األصل .ومن
يتصور ”صورة أقنوم أبيه“ ،من خالل انلظر إىل األخري (اآلب) من خالل األول
(االبن) ،إذ إنه ال يرى المولودية اآلب ف االنعاكس (ألنه ف هذه احلالة سيصبح
االبن باتلأكيد هو اآلب نفسه بالاكمل وليس أحدا آخر) ،لكن من خالل
انلظر ادلقيق للجمال غري املولود ف املولود .ألنه كما أن من نظر ف مرآة نظيفة
انعاكسا لشلك ما أصبح دليه معرفة واضحة عن الوجه املنعكس ،هكذا من
تعلم معرفة االبن قد حتصل ف قلبه ىلع ”صورة أقنوم أبيه“ من خالل معرفة
االبن .ألن لك صفات اآلب ترى ف االبن ،ولك صفات االبن تنتيم أيضا إىل
اآلب ،ألن االبن جبملته يمكث ف اآلب ودليه اآلب جبملته فيه 29.وذللك يصبح
شخص االبن ،إن جاز اتلعبري ،صورة ووجه معرفة اآلب ،ويعرف شخص اآلب
ف صورة االبن ،برغم أن اتلفرد اذلي يرى فيهما يبىق من أجل اتلمايز الواضح
ألقنوميهما.
30
29قارن يو .10 :14
30وباتلايل يعرب ق باسليوس عن اتلعليم اثلالويث األرثوذكيس ف عبارة واحدة” :جوهر واحد وثالثة أشخاص (أو أقانيم)“ .وال
يستخدم ف كتاباته بعد ذلك املعىن القديم للكمة هيبوستاسيس بمعىن أوسيا (جوهر) .قارن ق أثناسيوس ”ضد األريوسيني“ :3
.33 :4 ،64
21